الجزائر الجديدة تجول في أزقة القصبة العريقة وفي خرجة لنا من أجل التعرف على مدى تمسك أهل القصبة بعادات أسلافهم العريقة ، زرنا القصبة و تجولنا بالضبط بشارع بن شيخ مصطفى ، هناك التقينا في طريقنا بعمي رزقي البالغ من العمر 67 سنة جالسا هناك ، تقربنا منه وفاتحناه في الموضوع ، و ما إن استفسرناه بشأن الموضوع حتى تنهد تنهيدة طويلة وقال لنا : " لا أزال أذكر طعم أعراس أهل القصبة في الزمن الجميل ، شتان بينها و بين أعراس اليوم ، لقد كانت أعراسنا غير هذه التي تقام حاليا كان ، و كان للعرس طعمه الخاص إذ أن الأحباب والأهل كانوا هم الأسبق في الأعراس ولا أحد سواهم يقومون بالعرس على قدم وساق إلى أن يختم على أكمل وجه ، أما الضيوف فهم مدعوون على شرف الزفاف ولا يحتج إليهم في تقديم الدعم و يد المساعدة ، فيجلسون في أجواء تسودها الفرحة في انتظار تقديم القهوة والحلويات والمشروبات. و يؤكد العم رزقي ، أن أفراح القصبة كانت تقام في أسطح المنازل بإقامة خيمة تسع للم الأهل والأحباب ووضع كراسي للجلوس فيها ،كما يزين مقام العروس بالورود والشموع ، و من أجل سير حفل الزفاف في جو بهيج ، تقام السهرات بالأغاني التي يميزها الطابع الشعبي الشهم إلى بزوغ الفجر . حمام العروس و نكهته المميزة يعد حمام العروس من التقاليد والعادات التي لا تزال تلتزم بها العائلات الجزائرية ، ولكل مدينة في بلدنا الجزائر طريقتها المثلى في اختيار لوازم حمام العروس ، أما أهل القصبة فلهم طريقتهم الخاصة في التحضير لحمام العروس ، من أجل معرفة تفاصيل أثر عنه ، دخلنا أحد الحمامات النسائية بالقصبة العريقة ، أين تحدثنا إلى السيدة العجوز زينب البالغة من العمر 70 سنة ، فنقلت لنا نكهة حمام عروس القصبة الخاصة و قالت ، تقوم العروس باختيار مقتنيات الحمام لوحدها من الفوطة والطاسة والمحبس وغيرها والتي تكون عادة مزينة بالحرير الأبيض أو الوردي والحاشية ، وكذا الشموع التي تدخل بها العروس إلى الحمام مرفوقة بالزغاريد والمشروبات والحلويات التي تقدم إلى كل المتواجدين داخل الحمام ، لكنها تأسفت لأن أعراسنا حاليا صارت تخلو من هذه العادات التي عرفتها الجزائر منذ الزمن البعيد. أفراح القصبة في الزمن الجميل كان ضمن المحاضرات التوعوية التي أشرف عليها الأستاذ "بلقاسم باباسي"المختص في التاريخ العاصمي في إحدى محاضراته ، المسطّرة للشباب المقبل على الزواج تحت عنوان " أفراح البهجة "، فكان له حديث متّع به الحاضرين و استمتع ، ونقل الجميع إلى أيام الاحتفاء الجميلة بالزفاف بحي سيدي عبد الرحمان "القصبة العريقة " بالعاصمة ، وجعل الحضور يغوصُ في سنوات الأربعينات و الخمسينات ، حينما كانت الأفراح تقوم دون الاستغناء عن التقاليد الجزائرية و من دون "بروتوكولات " ، وتحدث " باباسي " قائلا أن الزواج أنذاك كان منبثقا في "الحومة" و لا يخرج عن نطاقها ، فالشاب إذا ما عزم على إكمال نصف دينه فلن يحلق بعيدا و لن يجهد نفسه في البحث عن عروسه الملائمة بعيدا عن خمس أو ست عائلات تربطها به علاقة الجوار ، فيكلف والدته بخطبة ابنة الجيران لتقصد الأم العائلة التي تجاورها عملا بمقولة " ناخذو بنت الجيران " ، و بذلك تكون عائلة العريس على معرفة بعائلة العروس ، و ليس مثلما يحدث الآن الشاب يقوم بالتنقيب عن أصول الفتاة التي سيرتبط بها و يجعل نفسه أمام رحلة بحث عن جذور عائلتها لغياب " النية " يقول المختص في التاريخ العاصمي . تقاليد مثيرة لا يمكن لأهل القصبة الاستغناء عنها أما ما يعرف "بالمهيبة " و هي الهدايا التي يقدمها أهل العريس للعروس فقد كانت بسيطة هي الأخرى ، لا تخلوا منها قارورة العطر و علب الحنّاء ، وعن حمام العروس فقد وصفه الأستاذ "باباسي " بكل تفاصيله التي توحي بحياء و شهامة أهل القصبة و بالخصوص رجالها ، فإذا همّت العروس بالخروج من منزلها فستكون مرفوقة بزغاريد النسوة و كذا قطع السكر و الحلويات التي تنثر عليها أثناء سيرها في أحياء القصبة ، و يعمد رجال القصبة العريقة من أصحاب المحلات التجارية في ذلك اليوم الذي تتوجه فيه الفتاة إلى الحمام إلى غلق المحلات حتى لا تتوجه أنضارهم إلى العروس ، و التي يفضلون تركها في كامل راحتها يومها ، وقال المتحدث أن حمام العروس لابد آن يتوفر فيه صابون "الدزاير " الغني عن التعريف ، و الذي يجلب من مدينة بني عمران ، إلى جانب " البنيقة " التي تضعها المرأة على رأسها بعد استحمامها و تكون باللون الأبيض أو الوردي ، وبعد خروجها من الغرفة الساخنة بالحمام إلى الغرفة الباردة تتكفل مرافقاتها بتوزيع قطع الحلويات على أن يستفيد منها كل النسوة المتواجدين بالحمام . وكان من الحمامات المعروفة التي تقصدها العرائس بكثرة حمام "بوشلاغم "، "شباشق" و حمام "سيدنا" ، و لا يمكن أن تحرم العروس بعد الأجواء البهيجة التي يشارك عائلتها فيها جيرانها و أقاربها ، ويوم الخروج من الأسرة التي أحاطتها بكل رعايتها إلى يوم فرحها بإتجاه العش الزوجية ، لا يمكن أن تحرم من الخروج تحت " جناح " والدها الذي يغطّيها بالبرنوس التقليدي و كل دعوات المدعويين في زفافها ترجوا لها من الله أن تعيش حياة السعادة و الهناء مع زوجها . و ل "النعناعة التي يضعها الرجل وراء أذنه حكاية أخرى وفي آخر جولتنا بالقصبة لم نفوت فرصة الاستفسار عن سر و حكاية "النعناعة" التي لا يتخلى رجل القصبة عن وضعها خلف أذنه ، إذ أن بعض الشائعات المتداولة التي تقول "أن الرجل الذي يضع "نعناعة" وراء أذنه ، يعني أنه رجل لديه بنات للزواج ، إلا أن العم رزقي في الحديث الذي جمعنا به فنّد هذا القول ، مشيرا إلى أن الرجل الذي يضع "نعناعة" وراء أذنه يعني أنه رجل شهم ومحترم وله هبته في تلك المنطقة ، أما الرجل الذي يضع عشبة "الحبق" المعروفة برائحتها الطيبة ، فهو الرجل الغارق في المشاكل و يرغب في أن يضع لها حدا ، و حسب قول محدثنا فإن" الحبق " مبعد للشر والشياطين. محفوف نسرين