تُختتم اليوم ندوة "همزة وصل" المخصصة لنقد تجربة المسرح الجزائري بالاشتراك مع الهيئة العربية للمسرح وتنظيم المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشطارزي، حيث تناولت خلال اليومين الأخيرين مختلف المداخلات تحدث فيها باحثون وأساتذة ومختصون بالشأن المسرحي عن موضوعات اللغة والتكوين والأداء والتلقي وكذلك الكتابة الموجهة للطفل والنقد المسرحي، كما استعرضت اللجنة المشرفة الحصيلة والتوصيات التي خرجت بها من تنظيم هذا اللقاء. زينة.ب.س وناقشت الندوة أيضا مداخلات حول حركات النقد المسرحي في الجزائر وكذا "المرجعيات التراثية في مسرح الطفل بين منطق التقليد وذهنية التجميد" التي عرضها الأستاذ حليم بوشراكي، بالإضافة إلى ورقات بحثية حول أثر التشريعات على المسرح الجزائري ودور المهرجانات والتعاونيات المسرحية. واسيني لعرج: الفجوة اللغوية أمام الجمهور تقلص من التلقي وعرض القائمون على الندوة، مداخلة الروائي واسيني لعرج عبر تقنية التحاضر عن بعد بعنوان "أية لغة لأي مسرح؟ في نقد الفجوة اللغوية مع الجمهور المسرحي الجزائري"، قال فيها أن المشارقة لا يبذلون جهدا ذهنيا لفهم أعمالنا المسرحية خاصة المتخصصين منهم في المسرح وغير ذلك، مشيرا أنه يقول هذا بكل محبة ودون فتنة، وهذا عكس الجزائر التي كانت تبذل لفهم اللهجة المصرية مثلا، فعلولة -يشير- قد اشتغل على اللغة التي هي في شكل تطوير باستمرار، مؤكدا أن المشكلة اللغوية في المسرح لم تحل إلى اليوم. ومن جانب آخر أشار لعرج للمسرح الأمازيغي الذي يرى أنه بات يكرم لغته التي أهملت منذ زمن من خلال ما يكتب ويخرج وينتج، ومن الجيد أن يجد هذا المسرح مكانه، لكن -يقول- أن لغة هذه الخشبة محصورة في مناطق، ومن حق الجميع فهمها من خلال الحياة اليومية وفي العروض المسرحية، مشيرا أيضا إلى ضرورة ترجمة العروض لأنه أمر تقني وغير صعب. فاللغة إذا -يؤكد- متنوعة فلها علاقة بالفنون البصرية والفنون التشكيلية، لكن الفجوة اللغوية أمام الجمهور تقلص من التلقي، فتلقي الكوميديا مثلا بالعامية يكون عفويا وحقيقيا من أن يكون باللغة الفصحى حيث سيضحك الجمهور ساخرا فقط. حميد علاوي: الذكاء في استعمال الفكرة لنجاح التلقي تطرق الدكتور حميد علاوي من خلال ورقته البحثية التي حملت عنوان "فاعلية تلقي المنجز المسرحي، من النقد المسرحي إلى بلاغة العرض وتحليل الخطاب" إلى العملين المسرحيين "طرشاقة" لأحمد رزاق و"ما بقات هدرة" لمحمد شرشال، قائلا أن هذين العرضين قدما منظورا إخراجيا صادما، فطرشاقة لها جمهور تعرفه، فالمخرج اعتمد على استحضار الجمهور الافتراضي ذهنيا أثناء التحضير للعمل، وهذا العرض لا يخرج عن العروض المألوفة لكن الجديد يكمن في الفكرة وتناول موضوع العلاقات الإنسانية من شخصيات مؤنسنة إلى أعواد كبريت كشيء من الرمز الذي تمثله هذه الأعواد في حد ذاتها، بالإضافة إلى التفاصيل التي اهتم بها رزاق لدى تقديم العرض المشبع بصريا. وعن عرض "ما بقات هدرة" للمخرج محمد شرشال، أكد علاوي أن هذا المخرج لديه الوعي بما يقوم به ويعمله، فهو يفكر في شكل جديد من المسرح ويضع في حسابه مدى تلقي الجمهور للعرض، وهو يقدم جرعات التغيير من عمل إلى آخر. العيد جلولي: ضرورة تأسيس مجلس أعلى للطفولة أكد الدكتور العيد جلولي من خلال مداخلته "تجربة الكتابة المسرحية للأطفال في الجزائر، دراسة في المنجز الإبداعي"، على ضرورة الاهتمام بالمدرسة إذا ما رغبنا في التكوين المسرحي وكذلك الاهتمام بالطفل أولا، مشيرا أن أدب الطفل في الجزائر لا يزال في بداياته فهناك عزوف عن الكتابة للأطفال، فنحن لا نهتم بالطفولة وإن رغبنا بالنهوض بهذا النوع لابد لنا من مراعاة هذه الشريحة فلا يجب على الكاتب أن يضحي بالمعايير اللغوية في سبيل إرضاء الجوانب التربوية رغم أنه في نفس الوقت هو أدب تربوي، مضيفا أن الأدب الموجه للطفل لابد من توفر الجمالية والفنية لدى التعاطي معه، وأن -يقول- لا تكون المضامين التربوية مباشرة لأن الطفل في حد ذاته متمرد ويكره الوعظ. وثمن جلولي الأقلام الجادة التي دخلت مجال الكتابة للطفل وتتوفر فيها الجوانب الجمالية، مشيرا أن بعض الكتابات لازالت تعتمد على المنظور القديم واستخدام التراث والفانتازيا في قصص الأطفال، فحاليا توجد موضوعات جديدة ومختلفة ومتنوعة وهي غائبة حاليا عن التناول والمعالجة فلابد من الانفتاح على قضايا راهنة كالبيئة وحقوق الطفل والبيئة والموقف من المرأة وكذا الخيال العلمي لأن الذائقة الفنية للأطفال قد تغيرت، داعيا إلى تأسيس مجلس أعلى للطفولة. براهيم نوّال: دعوة لتأسيس مدرسة تكوين بأبعاد محلية وأشار الأستاذ براهيم نوّال، في مداخلته "سياسة واستراتيجية التكوين الفني في مجال فنون العرض بالجزائر" إلى الدور الذي لعبه المعهد في التكوين رغم الصعوبات وبدور مصطفى كاتب في هذا المجال أيضا داعيا بالمناسبة لتأسيس مدرسة تكوين جزائرية بأبعاد فلسفية وأنثروبولوجية محلية لا تتعلق فقط بالمنظرين العالميين، مشيرا إلى عدم اهتمام وزارة الثقافة والفنون بالتكوين في مجال المسرح معتبرا أنها -يقول- لا تحوز على استراتيجية تهتم بالتكوين وليست لها برامج خاصة بالتعليم الفني المسرحي. كمال يعيش: لم نضبط مصطلح "التمثيل" نظريا طرح الأستاذ كمال يعيش من خلال مداخلته "أساليب التمثيل في المسرح الجزائري من واقعية ستانسلافسكي إلى أسس التجريد الحديثة"، إشكالية لتحديد العوامل التي تؤثر على تغيرات الأداء المسرحي فنظريا لم نتحكم في مصطلح "التمثيل"، وطريقة تعامل الممثل مع شخصية خيالية، هذه الأخيرة تعرف على ثلاث مستويات تتمثل في روح وذات الممثل وأفعاله وماذا يمثل بالنسبة للجمهور، فالمتلقي لديه ثقافة وميولات، وكل هذا يساهم في إعطاء قراءة للشخصية، وفي عدم ضبط المصطلح فنقول أحيانا الممثل يلعب الدور الفلاني وأحيانا نقول يجسد الشخصية وأحيانا أخرى نقول أنه يقدم رؤية عن الشخصية وهذه الأنواع غير منفصلة عن بعضها في التمثيل، مضيفا أن الجنس المسرحي يؤثر في الأداء، فالكوميديا غير التراجيديا وغير الدراما وغير العبثية، كما أنه كلما كان المسرح أدبيا يقلص من دور الممثل كشخص فالنص يفرض نفسه على الممثل. وأشار يعيش إلى أن المسرح في الجزائر في بداياته كان مسرحا فكاهيا بأسماء كرست نفسها على غرار علالو، رشيد قسنطيني، رويشد، بشطارزي، حسن الحسني، حيث قدم هؤلاء شخصيات نمطية، فلم يكن هناك عمق كبير، ومن الصعب -يقول- تكوين ممثلين بهذا النمط فالفكاهة تعتبر صفة تلقائية فيهم. وتابع المتحدث ذاته، أن ولد عبد الرحمان كاكي بحث ودرس واستطاع تأسيس نوعا من الأداء، مضيفا أن الأبحاث أدت لبروز مسرح مخالف عن المسرح الفكاهي، فكان الملحمي، وعلولة تمم أبحاث كاكي في نفس الاتجاه في المسرح الملحمي، معتبرا في ختام كلمته أن التكوين غائب تقريبا في الجزائر. عيسى راس الما: الاشتغال الأكبر يتحمله الممثل قال الدكتور عيسى راس الما في ورقته "مستويات الإقناع في التمثيل المسرحي بالجزائر"، أن المسرح والممثل وجهان لعملة واحدة، فالممثل يحمل خاصية المسرح، والعكس صحيح، كما أن هناك التمثيل والتشخيص والمحاكاة والأداء والتقمص، فأيهم نقصد لدى الحديث عن التمثيل، مشيرا إلى الفرق بين الدور والشخصية فهل نمثل أم نؤدي؟. وأضاف المتدخل ذاته، أن الممثل هو الأساس وأساليب الإقناع تختلف من ممثل إلى آخر، ففي الثورة مثلا كان الممثل مطالبا بايصال الرسالة إلى الشعب بعدالة القضية الجزائرية، فإذا -يقول- الممثل هو روح العملية، يمكن تقديم مسرحية صامتة ومفهومة نظرا لقوة لغة الجسد التي لا تحتاج إلى سينوغرافيا، والمسرح قدم فرصة للممثل لتحقيق ذاته النائمة والمكبوتات تخرج فوق الخشبة الساحرة، فقط على الممثل أن يكون مقنعا، فالضجيج مثلا عند إلقاء العرض يكون بسبب الممثل. وتابع راس الما، أنه كثر الحديث عن المسرح الملحمي خلال السبعينات والثمانينات واشتهر آنذاك كاكي وعلولة ومجوبي وغيرهم الذين حاولوا تجريب المسرح الملحمي وتم تغيير أداء الممثل من الإقناع الفكاهي السليقي الشعبي إلى الرفع من المستوى الفكري وتقديم نوع جديد من الأداء، والممثل -يقول- هو من يجب عليه أن يشتغل فالتمثيل هو حالة من الاختلاجات النفسية لا علاقة لها بالماديات وعلى الممثل أن يحدث ذاته حول تقديم الشخصية التي لابد عليه من تشخيصها قبل الأداء. بوعلام مباركي يستعرض تجربة جامعة سعيدة في التكوين اعتبر الدكتور بوعلام مباركي من خلال مداخلته "تجربة التكوين في المسرح الجزائري: المنجز والآفاق"، التكوين المسرحي، عملية إعدادية فنية تكون عن طريق معاهد وحلقات عمل وحتى سفريات للخارج، تكون من خلال إعداد الكتاب والسينوغرافيين والمخرجين لتقديم النوعية على حساب الكمية، والتكوين -يضيف- يطور الحركة المسرحية وتنميتها ثقافيا واجتماعيا، رغم أن تجربة السبعينات والثمانينات برزت بفضل حركة هاوية لا تزال باقية في الذاكرة. وتطرق مباركي إلى تجربة ولاية سعيدة في التكوين، حيث تم فتح تخصص في النقد المسرحي بنظام الأل أم دي ممنهج أكاديميا ورغم العثرات البيداغوجية -يقول- واصل في التحسن، بالإضافة إلى فتح قسم ماستر لنقل العرض المسرحي سنة 2012، قائلا أن التجربتين (الليسانس والماستر) لم يفتحا بسهولة وكلف الأمر فريق التأطير الكثير من الجهود من أجل اعتمادها وزاريا، كما تم فتح قسم خاص بالفنون به فنون تشكيلية ودراسة سينمائية وماستر دراماتولوجيا في 2014، لكن تبقى الفضاءات المخصصة للأعمال التطبيقية منعدمة. وفي المستوى البحثي، أشار مباركي إلى مذكرات التخرج بجامعة سعيدة التي تهدف إلى إثراء التخصص منهجيًا ومعرفيا، وإقامة النشاطات العلمية المبرمجة وأيام دراسية وملتقيات وطنية لتفعيل النشاط المسرحي وبرمجة إنجاز عروض من قبل الطلبة، ورغم ذلك يعد غير كاف لمًا تعانيه الساحة الثقافية بشكل عام.