الساحة الفنية الجزائرية خصوصا الغنائية منها فقدت كثيرا من المراكز وتراجعت إلى الوراء دون أن تثير ضجيجا حول هذا التقهقر.الأغنية التي كانت تعتني بالكلمة النظيفة والموسيقى والصوت الجميل باعتبارها قبل كل شيء رسالة ثقافية تحافظ على الهوية والتميز الثقافي الجزائري، ومن هذا النوع من الأغاني أغنية الشعبي التي بعد غياب عمالقتها أمثال الحاج محمد قروابي وهجرة البعض منهم خارج الديار عرفت تقهقرا كبيرا ولم تعد تملك تلك الهيمنة الفنية مما جعل الكثير يتساءل هل الأغنية الشعبية تعود؟ دُقت نواقيس الخطر منذ أن فقدت الأغنية الشعبية الكثير من الفنانين وتوهجها الذي استمدته من الجماهير الشعبية خلال عقود من الزمن حيث كانت النغم والكلمة والصوت المهيمن على الساحة الفنية وكانت من خلالها ليالي العاصمة خصوصا في فصل الصيف من أجمل الليالي حيث تهيمن الأغنية الشعبية على أعراسها وحفلاتها ويقدم إليها الجمهور الذواق من كل أحياء العاصمة لإعادة السمر العاصمي من خلال السهر الشعبي وشيوخه إلى الواجهة الثقافية التي تتميز بها العاصمة. كما أن سهرات الشعبي في المركبات السياحية والفنادق والساحات العامة كانت ذات نكهة تعطي للمتذوق لهذا الفن الإحساس بالتميز والخصوصية خصوصا عندما تحيي هذه الليالي كوكبة من الفنانين الشعبيين أمثال الحاج محمد العنقا، الهاشمي قروابي، بوجمعة العنقيس، عمر العشاب وغيرهم من الشيوخ الذين يتداولون هذا الفن ويتنافسون لتقديم الجديد من القصائد المديحية الدينية والعاطفية حيث أصبح الكثير من القصائد من الأغاني الخالدة كقصيدة ''الحمام لي والفتو'' و''يوم الجمعة خرجو الريام'' و''المكناسية'' وغيرها من القصائد الأخرى وقد عرفت أغنية الشعبي تطورا كبيرا من حيث الموسيقى والقصيدة الشعبية التي تمت عصرنتها من حيث اللحن والكلمة والتي كان يؤديها الشيخ الهاشمي قروابي ويكتب كلماتها محبوباتي رحمهما الله، حيث تطورت تطورا ملحوظا ولم تعد مقصورة على الجمهور العاصمي فقط، بل استطاعت أن تكسب لها جمهورا خارج العاصمة مثل أغنية ''البارح'' وأغنية ''يالورقة'' وأغنية ''وحداني غريب''. أما من حيث المطربين أو النجوم الشعبيين فهم كثير أمثال الحاج مريزق، الحاج بوجمعة العنقيس، عمر العشاب، ثم تلتهم طبقة الشباب أمثال عبد القادر شاعو ومن حذا حذوه. الأغنية الشعبية عرفت تقهقرا كبيرا بغياب وجوهها التي سطعت في سماء العاصمة وتركت الساحة مفتوحة للرداءة من حيث الكلمات التي لم تعد بالكلمات وإنما مجرد عملية رصف غير منتظمة ولا منسجمة وأصوات مقلدة لا تمتلك الموهبة ولا الثقافة الواسعة لأن أغنية الشعبي ثقافة قبل كل شيء وبحث متواصل عن الجيد من الألحان والكلمات حتى أطلق على فنانيها ألقاب الشيوخ. أما أغنية الشعبي اليوم فهي أصبحت تقليدا وظنها البعض إرثا يرثونه عن أبائهم فكثيرا ما نسمع ابن المطرب المرحوم الفلاني والفلاني.. محاولين حمل راية الشعبي لكن حل بهم الفشل في بداية المشوار ومن غير الممكن أن يتكرر اسم الهاشمي قروابي في ابنه، ولا دحمان الحراشي في نجله، ولا رابح درياسة في عبده درياسة لأن الفرق واسع بين هؤلاء وهؤلاء، وهذا ما جعل أغنية الشعبي خاصة والأغنية الجزائرية على العموم تفقد الكثير من مضمونها ومستواها وتظهر على الساحة الفنية الأغنية الهابطة الماجنة المتعفنة التي تخبط في الفن خبط عشواء قتصيبه في مقتله، وهذا ما أدى إلى بعض ممن أحسوا بهذا الخطر بل بهذا الموت الفني الذي شل الساحة الجزائرية ولوث الغناء الشعبي وغيره إلى إحداث مسابقات ومهرجانات ومنها المهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي في طبعته الخامسة الذي فتح الباب واسعا للشباب من أجل إعادة بعث هذا النمط من الغناء والتنافس على الأجود من خلال الصوت والكلمات وليس على مستوى العاصمة، بل المسابقة فتحت لجميع أبناء الوطن ليتم من خلالها اكتشاف المواهب الشابة من خلال لجنة تحكيم متكونة من شيوخ هذا الفن.