صابر بليدي منذ سنوات لم أعد أسمع في الجزائر عن أزمة حزبية داخلية بسبب صراع على فكرة او مشروع، والسائد لحد الآن هي حروب " الديكة " على المناصب والمكاسب والمصالح الضيقة، وما الأحزاب الا مجرد شعارات وأوعية لاحتواء مجموع السماسرة والوصوليين، الذين يلجأون للرداء السياسي عندما توصد في وجوههم الأبواب العادية الأخرى من أجل تحقيق مصالحهم ومزاياهم. وما يحز في النفس أكثر أن العدوى طالت حتى جبهة التحرير الوطني ذاتها، حيث صار غسيلها ينشر على شماعات وسائل الاعلام ومختلف فضائيات العالم، وما حدث هذه الايام في اجتماع اللجنة المركزية للحزب نموذج حي عن ممارسات ردئية هيمنت على الشارع السياسي، حيث تحولت مقراتها حلبة للعراك، والسباب والشتائم، والأدهى من كل ذلك أن الجميع يلجأ ل " البلطجية " من أجل حسم خلافاتها، بدل اللجوء للطرق الحضارية. والذي يندى له الجبين حقيقة أن " الجبهة " التي يفترض فيها أن تكون مدرسة لتدريس الآخرين وتخريج نخبة سياسية راقية في الجزائر وحتى في الخارج، بالنظر الى رصيدها واسمها وقوتها، تهاوت الى الحضيض وصارت قيادتها تحتكم للعضلات والقنابل المسيلة للدموع، لخلاف على هذا الشخص أو ذاك..! وان كان ذلك ليس بالغريب لدى البعض، كون " الجبهة " لم تكن حزبا في يوم من الايام منذ تحولها من جبهة الى حزب يحكم البلاد بداية من 1962 ، لأنها تحولت تحت صراع المصالح والمكاسب والحسابات الضيقة الى ظهر يركب وضرع يحلب، ومفرخة لانتاج الكائنات السياسية المشوهة والمعتوهة. الا أنه ورغم ذلك فان الذي حدث كثير وكبير على الجبهة، التي ضيعت فرصة الراحل عبد الحميد مهري، الذي كاد يحولها في ظرف وجيز الى حزب حقيقي بمرجعيته وبرنامجه، لكن " العيال " اختطفوها مجددا وحولوها الى ذراع للسلطة يكلف بمهمة ثم يرمى كما ترمى " الطالق ". أزمة جبهة التحرير الوطني، عميقة ومعقدة، تحمل في أحشائها أزمة دولة بكاملها، وتعكس مدى الانحطاط الشامل الذي تعيشه الجزائر في كل المجالات، لكن لا نعتقد أن رحم الجزائريات ورحم " الجبهة " لن يحمل مرة أخرى بأجنة صناع الجبهة وثورة التحرير، فمهما كانت شدة السقوط فان الجبهة لن تبقى " لعبة " يتقاذفها أنصار هذا وخصوم ذاك، وستبقى كبيرة عليكم.. يا صغار!؟.