يتميز "التريزوميون" أو "المنغوليون" على الرغم من مرضهم، بنظافة مظهرهم وذكائهم غير العادي، و الذي يمكنهم من التكيف مع البيئة التي من حولهم ، و اكتساب السلوكيات التي تميز من يتعايشون معهم و يختلطون بهم، و هذا ما يلاحظ بكثرة في الجزائر ، حيث يمضي التريزومي وقتا طويلا مع أبناء حيه ، حتى أنهم يتسلون بتصرفاته المضحكة ، و يوفرون له في نفس الوقت بعضا من الدعابة ، بغية تحسيسه بأنه طبيعي كأي فرد عادي ، و أن مرضه ليس عائقا للعيش و التعايش مع الغير ، بل إنه وسيلة للحياة السعيدة البعيدة عن المشاكل و المسؤوليات المثقلة،غير أنه لا يمكن الحكم بجدوى مخالطة هذا الطفل لأبناء حيه أو بعض الجماعات و استحسان هذا الأمر، إلا بمعرفة طباع و أخلاق هذه الجماعة ، و التي قد تكون في بعض الأحيان سيئة الطباع و بذيئة الأخلاق، و إذا ما اكتسب التريزومي من سلوكياتها فهنا يكمن الخطر . تبقى أخلاق أطفال التريزوميا تحت رحمة بيئتهم المخالطين لها، هذا ما لاحظته "الجزائرالجديدة" أثناء الجولة التي قامت بها في بعض شوارع العاصمة ، بحثا عن حالات الأطفال التريزوميين ، و الذين ظهرت عليهم أخلاق من يصاحبون بشكل واضح و جلي. تريزوميون يتطبعون بأخلاق حيهم البذيئة "كريمو" رجل أربعيني مصاب بالتريزوميا، يسكن بالمرادية في العاصمة، لطفه و بسمته الدائمة حببته إلى جميع أبناء حيه الذين يحبون مناداته "بوباي"، عشقه للسعادة جعله محبا للأعراس و الولائم ، غير أنه وقع في قبضة يد أبناء حيه المنحرفين ، لدرجة أنهم أخذوه لإحدى بائعات الهوى ، و دفعوا لها مبلغا من المال لتقضي الليلة معه " ، ويعجز اللسان عن وصف هذه الدرجة من الانحلال الخلقي الذي بلغها من أقدموا على هذا الفعل، ف"كريمو" لا ذنب له، الذنب على أبناء حيه الذين حرضوه على هذا الفعل القبيح . و أشنع من ذلك ما أخبرنا به أحد المواطنين عن أحد أبناء حيه المدمنين على المخدرات ، و الذي قام بالاعتداء على أحد هؤلاء الأطفال التريزوميين جنسيا، فأي عقل يتقبل هذا الفعل ، و هل يملك من قام بهذه الجريمة ضميرا أو قلبا ؟ "شوشو" و الذي يصعب تحديد سنه، يسكن بحي "الكاديكس" ، و الذي ما إن مررت عليه يوما، إلا وجدت بفمه سيجارة يدخنها ، فهو منذ خروجه صباحا إلى غاية عودته إلى منزله في المساء ، لا يفعل شيئا سوى التدخين، و لا يخرج من فمه سوى عبارات السب و ضرب المارة في بعض الأحيان، تدخين، عنف، وشتائم ، هي كل ما أمكن أبناء حي "الكاديكس" تعليمه ل"شوشو" المسكين. وحش بشري يشبع غريزته الحيوانية من " منغولي " مقابل 200 دج كثيرا ما يخرج البعض عن الطبيعة الإنسانية و يتجردون من معانيها السامية ، لينصاعوا للطبيعة الحيوانية ، فتجدهم ينساقون وراء الرغبات البهيمية بما فيها ممارسة الجنس ، و في هذا لم يجد وحش بشري ما يفرغ به نزواته الدنيئة سوى الإعتداء جنسيا عل " منغولي " استغل تخلفه الذهني لبلوغ مآربه ، و لتأكيد ما ذكرناه آنفا نستحضر قضية طرحت على طاولة القضاء ، حينما واجه متهم يدعى" ف ، ز " ، مطلق ينحدر من الحراش و يبلغ من العمر 43 سنة ،الغرفة الجزائية الرابعة بمجلس قضاء الجزائر ، على خلفية متابعته بتهمة الاعتداء جنسيا على شاب متخلف ذهنيا لا يزيد سنه عن 18 سنة ، وقد انصاع الضحية الذي يعاني من تخلفات ذهنية لطلبات المتهم ، بعدما أغراه هذا الأخير بمبلغ زهيد لا تتعدى قيمته 200دج ، مقابل ممارسة الجنس عليه . وحسب ملف القضية و استنادا لشهادة الشهود ، فإن الضحية محبوب بين الناس و مشهود عليه بحسن السلوك رغم تخلفه الذهني ، كما أنه معروف بالتزامه ومواظبته على أداء الصلوات في المسجد ، لكن المتهم تجرد من كل إنسانيته وانصاع لنزواته الحيوانية مستغلا تخلفه الذهني ليشبع مآربه الدنيئة منه ، و بعد اكتشاف أمره و رفع أهل الضحية لشكواهم ضد المتهم ، تمّت إحالته على العدالة وإدانته من طرف محكمة الحراش بثلاث سنوات حبس نافذ و 200 ألف دج غرامة مالية نافذة مع إلزامه بدفع تعويض مالي ، على خلفية متابعته بجنحة الفعل المخل بالحياء ، وهي التهمة التي تمسك المتهم بتفنيدها عبر كامل مراحل التحقيق ، غير أن النيابة على مستوى المحكمة الابتدائية لم تقتنع بتصريحاته ، ورأت أنّ التهمة ثابتة في حق المتهم لتلمس إدانته بعقوبة السجن 10 سنوات حبسا نافذة . " تريزوميون" متمسكون بتعاليم الدين تجوّلت الجزائرالجديدة ببعض مساجد العاصمة، فالتقت بكثير من الحالات التي تحضر الصلوات الخمس بالمسجد ، و رغم عجز البعض منهم على القراءة ، إلا أن المصحف لا يفارق أيديهم ، فتجدهم يرددون أصواتا اعتباطية ، في محاولة منهم تقليد الترتيل الصحيح للقرآن. بشارع"باب الوادي" في العاصمة ، و بالضبط بمسجد "التقوى" ، هناك حالتين لمصابين بالتريزوميا، و الذين استفسرنا بعض المصلين عن شأنهما، فأخبرونا أنهما يمضيان أكثر أوقاتهما بالمسجد ، يصليان و يرتلان القرآن ويخالطان عمار المسجد الذين يعتنون بهم بتوفير ما يحتاجون إليه من لباس و مأكل و دواء . "مصطفى"، حالة فريدة من نوعها بين جميع حالات التريزوميا ، فهو سواء بحيه في "الرغاية" أو بالقصبة أين تسكن جدته، يبقى محل إعجاب و دهشة كل من يلاقيه و يتكلم معه لقوة ذكائه و حسن خلقه، فهو كما يحكي لنا إمام مسجد "بن باديس" ، و الذي تعود "مصطفى" مصاحبته و البقاء معه في مقصورته ، أنه" بمجرد خروجه من البيت يذهب للمقهى فيأكل ما يشاء ، ثم يذهب لبائع الجرائد فيأخذ جريدة رياضية ، و ينتقل إلى محلات "الفاست فود" فيعطونه كل ما يطلب ، كل هذا مجانا، حتى أنه لو قدم له أحدنا مبلغا من المال، رفض أخذه قائلا " أنا عايش باطل". ويضيف هذا الإمام أن "مصطفى" تطور لدرجة كبيرة و تحدى مرضه ، فبعدما كان يتكلم بصعوبة أصبح بفضل حضوره لحلقات العلم التي تقام بالمسجد و حلقات القرآن و الذكر يتكلم بطلاقة ، و يقرأ القرآن و يدعو لنا في ختام كل حلقة". "يويو" تريزومي ملازم لإمام مسجد " ابن فارس" بالقصبة، رغم عجزه عن الكلام بطريقة سليمة ، إلا أن مرتادي المسجد ، بعد انتهاء الإمام من درسه يلبسونه بردة الإمام، يجلسونه على كرسي التدريس ، و يناولونه بعض الكتب ليخطب فيهم ، و أكثر ما يسليهم فيه و يلقى استحسانا كبيرا بينهم ، هو ما يفعله الإمام من كتابة جملة لا يخلو منها قميص من قمصان "يويو" ، يوجهها لأبناء القصبة التي غلبت عليهم المشاكل و العبوس و العنف، " الإبتسامة هي الحل". "ب.غ"، أستاذة تعليم متخصص، تحدثنا عن هذه الظاهرة بدقة " هناك ثلاثة أنواع من التريزوميا، 14و 18 و 21 ، هذه الأخيرة هي الموجودة بكثرة في الجزائر ، و هذه الأعداد هي أسماء لكروموزومات موجودة في الإنسان ، والتي عددها عند الشخص العادي 48 كروموزوما ، وعند المصابين بالتريزوميا يصاب إما الكروموزوم 14 أو 18 أو 21 بتشوه فيولد بهذا المرض. و فيما يتعلق بأخلاق التريزوميين فهم يؤثرون و يتأثرون ، خاصة إن كانت اضطراباتهم طفيفة ، فمثلا لو جلس طفل عادي مع طفل تريزومي ، قد يحمل الطفل العادي بعض سلوك التريزومي و العكس صحيح، إذ أن الكثير من التريزوميين يتأثرون بأبناء حيهم أو من يحتكون بهم، و هذا نجده خاصة لدى الذكور ، فالغالب أن الإناث يمكثن في المنزل، ومن صفات التريزوميين أنهم يكبرون عاديا ، غير أن عمرهم العقلي لا يتغير ، بل يبقى في مرحلة الطفولة ، لكن هذا يختلف من حالة لأخرى ، فبعض الحالات تتميز بالذكاء الخارق ، و كأنه لا يعاني أبدا من المرض". و بخصوص تكوين الأطفال التريزوميين تقول الأستاذة "من المفروض أن كل التريزوميين يتلقون تكوينا دراسيا حسب درجة وعيهم و قدراتهم العقلية على الإستيعاب، فالكثير من الحالات تعلمت القراءة و الكتابة ، خاصة اسمها و عنوان سكنها ، و تطورت كثيرا، إلا أن الجزائر تعاني من نقص في بناء المراكز المتخصصة بهذه الفئة". و تضيف الأخصائية أنه" لتفادي تطبع الأطفال التريزوميين بأخلاق و سلوكات سيئة ، فعلى أسرتهم الاعتناء بهم و اصطفاء صحبتهم، و الأهم أن يتجاوزوا مرحلة معاملتهم كأطفال صغار، بل عليهم تربيتهم و تدريبهم على سلوك ناضج". التريزوميا، مرض يصيب الكثير من أبناء الجزائريين ، و الذين يعرفون بطيبتهم و حسن مظهرهم و توقهم الدائم لعطف و حنان من حولهم ، محاولة منهم العيش بسعادة و نسيان المرض، غير أن الكثير من الناس لا يقدرون هذه الفئة و يسيئون إليها ، وذلك بمحاولة استفزازها و السخرية منها ، وتعليمها سلوكا بذيئا من سجائر و خمر و أفعال مخلة بالحياء تعكر براءتهم الروحية و طهارتهم الملائكية . محمد بن حاحة