تغيّر المجتمع الجزائري وتغيّرت معه العادات والتقاليد ، ولم يعد لجيل العصر نفس تفكير وخطط السلف من الجدات والأجداد ، وساهمت العديد من المعطيات في تغيير بعض العادات التي تعتبر إرثا وتراثا ثقافيا توارثته أجيال كثيرة، ومن بين هذه العادات عادة تحضير" التروسو" للعروس قبل الزفاف، ويقصد ب" التروسو" أو جهاز العروس هو جميع ما تأخذه معها العروس لبيت زوجها يوم عرسها . قسم المجتمع : و يضم " التروسو" كل ملابس العروس المختلفة ، الداخلية والخارجية لجميع المواسم و الأفرشة، و الشورات أو أغطية الأسرة و الوسادات ، إلى جانب زينتها من ذهب و أكسسوارات وعطور ومواد تجميل ،وهدايا لأهل الزوج وغيرها، وكما عهدنا فإن هذه العادة والتقليد ممّا ورثّته الجدات لبناتهن، حيث كانت الأمهات قديما تقمن بتجهيز الفتاة منذ صغرها ، بحيث تكون لكل صبية حقيبة خاصة بها تضع فيها أشياء ثمينة وجميلة من ملابس وغيرها ، وبمجرد أن تتم خطبة الفتاة تكون قد قطعت شوطا كبيرا من التحضيرات ، ولا يتبقى لها إلا القليل على غرار الثياب التي ترتديها يوم زفافها في حضور المدعوين ، و هي ما يعرف ب "التصديرة" ، وهي الفساتين المتنوعة التقليدية والعصرية التي ترتديها العروس يوم الحنة والزفاف ، وتغيرها بين الفترة والأخرى أمام المدعوين، وكل فتاة تأخذ معها على حسب مقدورها، فكما تفضل فتيات أخذ ما قلّ كمه وغلى ثمنه ، تفضل أخريات أخذ العديد من القطع ولا يهمّ ماركاتها ما دامت أقل سعرا . أهل العروس يفاخرون « بالتروسو » يوم تعليقة الشورة "تعليقة الشورة" ، ويقصد بهذا المصطلح في العديد من المناطق على غرار ولايات الوسط كالبليدة والعاصمة ، هو نقل جهاز العروس وكل ما ستأخذه معها بيومين أو أكثر إلى بيت زوجها أو المنزل ، الذي ستقيم فيه بعد الزواج ، وتتكفل شقيقاتها أو خالاتها بهذه المهمة ، حيث يتم استقبالهن في بيت العريس بالزغاريد ، وبعد أن تفتح الحقائب تتوجه أعين أهل العريس إلى محتوياها ، وفي هذه الأثناء يتم عرض الجهاز الذي يكون مزينا بالورود والأشرطة الحريرية أمام الحضور، ثم يتم التفاخر بجميع ما يتم وضعه في خزانة العروس ،خاصة إن كانت الملابس من الماركات الغالية الثمن ، فلا تسمع إلا كلمة "الله يبارك، بالطبع" ، وتعني أن الجهاز قد أعجب أهل الزوج ، وإن كان ما لا يعجب فلا ترى غير الهمسات و نظرات الإستهزاء ، وهو ما تخشاه العرائس ، ثم يتم فرش السرير ب "الشورة" ، وبعد الانتهاء تطلق الزغاريد ، وتجتمع النسوة على مائدة القهوة والحلويات ، قبل مغادرتهن بيت العريس ، مع تمنيات الجميع بتمام الأمور على خير . فتيات تفضلن إدّخار المال في انتظار ابن الحلال رغم إصرار الكثير من الفتيات على التمسك بهذه العادة والتقليد الموروث ، إلا أن الكثيرات منهن كان لهن رأي مختلف ، ومن بين هؤلاء الفتيات" سهيلة" إبنة ال 28 عاما ، عزباء من ولاية البليدة ، هذه الشابة التي تعمل في محكمة البليدة ، عبّرت لنا عن رأيها في الموضوع ، حيث أكدت أن فتيات "زمان" كن تتزوجن في سن مبكرة ، حيث تزف صبية في عمر ال 14 عاما أو 16 عاما لبيت زوجها، لهذا السبب كن يتوقعن حضور النصيب في سنّ مبكرة، وكان لا بد لهن من تحضير الجهاز قبل أن تتم خطبة الفتاة ، ولكن اليوم تضيف – محذدتنا قائلة، تغيرت العادات ، ومع تفتح المرأة العصرية على عالم الشغل أصبحت تتزوج بعد سن العشرين ، ومقارنة مع سنّها ، حيث أنها تبلغ من العمر 28 سنة ، تقول لو أنها عملت على تحضير "التروسو" منذ صغرها لأصبح اليوم من التراث بسبب قدمه وقدم موضته، لذلك هي تفضل أن تحضر نفسها بعد أن يطلبها عريس الغفلة للزواج، وفي الغالب لا تتزوج الفتيات إلا بعد سنة أو أكثر من الخطبة، وهو وقت كافي نوعا ما لتحضير نفسها، أما دليلة وهي محامية ، فتؤكد أن فتاة اليوم هي فتاة الأنترنيت والتكنولوجيا والموضة ، التي تطل علينا كل يوم بألوان وماركات وموديلات مختلفة ، فبالنسبة لها هي لا ترتدي أبدا الملابس التي لا تتناسب مع الموضة، لذلك فهي لا ترتدي لباسا إلا موسما واحدا ، ثم تتبرع به لغيرها، وكونها لم تخطب بعد ، فهي لا تفكر أبدا حسبها في تكديس الملابس و الأفرشة في حقائب لسنوات ، حتى تصبح غير صالحة للاستعمال بالنظر لقدم وتراجع مودتها، والحل بالنسبة لهؤلاء الفتيات ممّن تفكرن مثلهن، هو إدخار المال لذلك اليوم الذي يمكن أن يطول انتظاره أو العكس ، وبمجرّد خطبتهن تقمن بشراء وتحضير الجهاز بالمال المدخر . زواج ليلة تدبيره عام و الذهب خير استثمار عرفت أسواق الألبسة وأجهزة العرائس في السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في الأسعار ، وبات المثل الذي كان يطلق زمانا "زواج ليلة تدبيره عام" واقعا مرّا تواجهه العرائس ، حيث تنتظر الفتاة فارس أحلامها لسنوات ، ولا تكتمل فرحتها بوضع خاتم الألماس في أصبع يدها الشمال ، بل تفتح صفحة جديدة من الضغوطات ، وهي تحضير "التروسو" أوالجهاز الذي بات يتطلب أموالا طائلة تصرف عليه ، إلى جانب شراءها الذهب وفساتين التصديرة ، و حجزها قاعة الحفلات ، و تحضير أو شراء أصناف من الحلويات و الإعداد لوليمة العشاء ، وهو ما يستدعي در ملايين، ولعل في هذا الوقت تظهر إيجابية التحضير المسبق للتروسو ، حيث تكون العروس قد قطعت شوطا من التحضير ، ولكن بالنسبة لبعض الفتيات فإنه إذا أرادت الفتاة تحضير شيء مسبق ، فليكن شراء الذهب ، خاصة وأن أسعاره عرفت في السنوات الأخيرة ارتفاعا مدهشا ، حيث بلغ ثمن الغرام الواحد من الذهب المستورد أو الإيطالي مليون سنتيم ، فحسب هجيرة طالبة جامعية ، كلما تمكنت الفتاة من شراء على الأقل كل سنة قطعة أو قطعتين ثمينتين من الذهب أحسن مليون مرة من تبذير المال على الألبسة الداخلية و الأفرشة التي تتقادم بسرعة ، وهو الرأي الذي وافقته السيدة "نورة" ، صاحبة محل لبيع المجوهرات بالشراقة، والتي أكدت أنها تفضل أن تستثمر الفتاة العزباء مالها في شراء الذهب، وعندما يحضر العريس تشتري الملابس وغيرها . جدات يرفضن التخلي عن عادتهن ويؤكدن أن " التروسو" تقليد موروث مهما اختلفت آراء صبيات اليوم ، فإن فتيات الأمس اللواتي أصبحن جدات و أمهات اليوم ، لازلن تؤكدن على ضرورة الحفاظ على العادة رغم اختلاف العقليات والمعطيات والمجتمع ، حيث تقول السيدة "عائشة" ، 87 سنة ، قاطنة بالبليدة ، أنه إن تخلينا عن عاداتنا فلن يكون لنا مجتمع يميزنا عن غيرنا ، ومثلما حافظن هن على عاداتهم التي توارثوها عن أمهاتن، فلا بد لفتيات اليوم أن تحافظن بدورهن على الأمانة ، فلا مجتمع قائم بدون عادات و تقاليد تصنع أرضيته .