تقترح الروائية المبدعة أمال المهدي، في كتابها الجديد "تنهنان ملكتي"، رحلة شيقة، تكتنفها مخاطر، تصف فيها فيافي وقفار قطعتها الأميرة الشابة ذات السبعة عشر ربيعا بعد أن فقدت والدها في معركة ضد الوندال. الحكاية تنطلق من تافلالت أقصى الغرب في جبال الأطلس، إلى منطقة أبالسة في عمق الصحراء. في كتابها الصادر عن دار القصبة الذي يقع في 141 صفحة من الحجم العادي تسرد الكاتبة رحلة تنهنان التي قررت الإيغال في الصحراء ضمانا لبقاء شيء يذكر بتاريخ بلدها المهزوم وأهلها المقتولين المشردين، لتسترجع الملك ولو بعد حين، ها هي خادمتها " تاكمة " التي بعد الاستفاقة من صدمة الهزيمة تأمر سيدتها وأميرتها بالرحيل من جبال الأطلس، من جيوش "جان سيريك" والوندال الذين عاثوا في الأرض فسادا فقتلوا ودمروا، وتفرقت عنها القبائل لا تلوي سوى على النجاة، لم تشأ تنهنان مغادرة المكان لولا إلحاح خادمتها تاكمة التي كانت تكبرها بخمس سنوات والتي بينت لها خطر البقاء، وأخيرا اقتنعت الأميرة الشابة ونادت على مرشد الطريق "مهاوا" رجل في الأربعين من العمر يعرف سر الصحراء وطرقها الكثيرة، وتبدأ الرحلة من تافلالت إلى تامنطيط مرورا بغابة الحجارة، تيمقطن، ثم واحة أولف فواحة أقابلي، تنزروفت، مرورا بجبال إن إكر حتى الوصول إلى منطقة أبالسة. هي رحلة استمرت شهورا كلها تعب ونصب، تعرضت فيها الأميرة ورفيقيها إلى قطاع الطرق والى الجوع والعطش، ولولا العناية الإلهية لهلك الجميع. ومن هنا تبدأ قصة أو أسطورة هذه الاميرة الشابة التي ستغدو ملكة. قبل أن تقرر أمال المهدي خوض مغامرة كتابة روايتها، كانت تدرك مدى المهمة الشاقة التي أناطت نفسها بها، واكتنفها الخوف وهي تسير قدما للبحث عن سر الملكة الفاتنة الساحرة الغامضة "تنهنان" وأن تكتشف أن هذه الملكة لم تكن سوى أسطورة نسجت من قطع مختلفة، توصلت أمال إلى ثلاث روايات بخصوص ملكتها الأثيرة، عزت الرواية الأولى إلى مخطوط باللغة العربية وجد في عين صالح، والتي ترى أن تنهنان كانت امرأة مسلمة جاءت إلى عين صالح رفقة والدها المسمى سيد مالك، سنة 1020 هجرية الموافق ل1621 م، بيد أن تحليلا بالكاربون 14 لبقايا سرير تنهنان الذي أجراه معهد الدراسات النووية بالجزائر في 1967 يرجعها إلى 470 سنة بعد المسيح. أما الرواية الثانية فهي لابن خلدون في كتابه الشهير تاريخ البربر والسلالات الحاكمة الإسلامية، يقول فيها أن التوارق الذين يسميهم "هوارة" هم أبناء لملكة تدعى تيسكي، امرأة متزوجة من مسلم يدعى "الميسور"، امرأة كانت تشتكي من علة جعلتها عرجاء، فمعنى "تسكي" إذن هي العرجاء. أما الرواية الثالثة والأكثر شيوعا فترى أن تنهنان هي أم كل قبائل التوارق النبيلة، ويصفونها أنها كانت امرأة جميلة قدمت من تافلالت من جنوب المغرب واستقرت في منطقة "أبالسة"، يصفها شارل فوكو أنها امرأة "شديدة الجمال، صاحبة طول وقد، ذات وجه مشرق دون عيوب تذكر، مشرقة البياض، تمتلك عيونا كبيرة ومتقدة، ذات أنف رقيق، وكل ما فيها يوحي بالجمال والسلطة" . واسم تنهنان -تقول أمال المهدي - لدى البعض "صاحبة الخيام" وبالنسبة للبعض الأخر تعني "القادمة من بعيد". وقد اختارت أمال الرواية الأخيرة معتمدة على الأبحاث العلمية والتي درست لغة "التمشاق" الأمازيغية، والتي تقول أن تنهنان كلمة مركبة من ثلاث مقاطع، ومعناها المسافرة، أو المغتربة. تحاول أمال المهدي من خلال روايتها مقاربة الحقيقة وهي تعلم مسبق وتقر أنها ليست لا مؤرخة ولا عالمة آثار، وأن تاريخ تنهنان جدير بأن يعرفه الجميع ولا يبقى حكرا على الباحثين، وان شعبا قادرا على خلق الأساطير ومنها تنهنان التي عبرت أكثر من 15 قرنا بفضل النقل الشفوي قادر على نقله لأبعد من ذلك للأجيال القادمة . وأمال المهدي بن سنوسي من مواليد البليدة أستاذة رياضيات، سكنت القليعة غرداية، الأغواط وتعيش منذ سنوات في أقصى الجنوب الجزائري، نصوصها تبين مدى نضج أفكارها وخيالها وتنم عن مدى معرفتها لتلك المناطق تاريخها وطرق عيش أهلها.