كل سكان ولاية سطيف يعرفون حي المعبودة الذى يستقبل زوار الولاية القادمين من الجهة الغربية لمدينة سطيف، ويعرف السكان ايضا ان تسمية الحى مشتقة من تمثال امرأة كان متواجد أعلى الهضبة المطلة على واد بوسلام غير بعيد عن مرقد الملك الإفريقي سيبيون بحي القصرية، لكن قصة هذا التمثال ومكان تواجده سابقا ومن قام بجلبه الى مدينة سطيف وبسبب ذلك واين يوجد التمثال الآن وغير ذلك من التفاصيل بقيت مجهولة وغير معروفة لدى سكان الولاية. ولمعرفة القصة الكاملة التي تربط حي المعبودة بذاكرته القديمة قمنا بإعداد هذا الروبرتاج الذي سيجيب على الكثير من التساؤلات حول أصل التسمية والأحداث المتعلقة بها، وهي أحداث ووقائع تسرد لأول. "رينا" زوجة مارينو وحكاية النذر وتمثال القديسة مريم العذراء في الجهة الغربية لمدينة سطيف، وعلى ضفاف واد بوسلام، تواجدت مزرعة كبيرة لأحد المعمرين الفرنسيين كان صاحب المزرعة يدعى "مارينو" وهي مزرعة لا تزال بعض جدرانها متواجدة لحد الان، كانت زوجة صاحب المزرعة والتي تدعى "رينا" امرأة ذكية ومثقفة وتهتم كثيرا بعادات وتقاليد الأهالي من العرب والمسلمين العاملين في مزرعة زوجها خاصة النسوة. لاحظت "رينا" أن النساء المسلمات يقمن دوريا بزيارة ضريح ما يعرف بسيدي الخير الذى يقع على بضعة كيلومترات من مدينة سطيف وكان هذا الضريح مقام في ذلك الوقت يزوره المئات من أهالي المنطقة الذين يقيمون ''الزردة'' حيث يتم جمع ما لذ وطاب من مأكولات يتكرم بها السكان ليجتمع عليها الأهالي في ليلة الجمعة ويطلقوا العنان للرقص والضرب بالأرجل على الأرض آملين في نيل البركة والشفاء من الأمراض والتخلص من هموم الحياة اليومية وتحقيق بعض الأماني الأخرى. رافقت "رينا" النسوة في احد المرات واستفسرت منهن عن هذا الأمر فأخبرناها كما كن يعتقدن بجهلهن قائلين لها،أنه مقام ولي صالح يحقق أماني من يزوره ويتوسط له عند الله، وهنا خطرت ببال "رينا" فكرة جسدتها بعد أيام فقط من تلك الزيارة. كان ل"رينا" ولدان وهما شابان نافعان استدعيا للمشاركة مع جيش الحلفاء للمشاركة في الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية، فقبل ذهابهم للحرب ومغادرتهم المزرعة، قامت " رينا " بتحضير مأدبة دعت إليها كل العمال بالمزرعة من الجزائريين وبعض أصدقاء العائلة من الجنود والمعمرين الفرنسيين وبعد نهاية المأدبة أخذت "رينا" بيد إبنيها وقدمتهما للجميع ثم خاطبت الجميع قائلة أنها ستقوم بتقديم نذر أمامهم حيث ستقوم بإنجاز تمثال كبير في مدينة سطيف لو عاد والديها من الحرب سالمين، ثم توجهت للمسلمين الحاضرين وخاطبتهم قائلة إن هذا التمثال سوف ينسيكم وينسي كل سكان المدينة والضواحي في المقام الذي تزورونه حاليا وتقصد به مقام سيد الخير. "رينا" تحضر التمثال وذكاء وحيلة في اختيار المكان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ورجوع ولدى رينا سالمين من الحرب، ذهبت رينا الى مدينة روما بإيطاليا وهناك قامت باقتناء تمثال ضخم للقديسة مريم (St. Mary) مصنوع من الحديد الصلب ويزن أكثر من 10 قناطير. يقال ان التمثال وصل الى مدينة سطيف في سنة 1946، وكما سبق وذكرنا فإن "رينا" كانت امرأة ذكية وصاحبة سلطة حتى على زوجها مارينو، ولم يكن غريب ان تختار هضبة في مدينة سطيف تطل على واد بوسلام وعلى مقام سيد الخير وهذا المكان كان يقصده الاهالي وهو مكان معروف ب (الحجر المثقوب) أين كان بعض العجائز يقطعن العوشاشة وهو نوع من مرض السعال يصاب الأطفال الصغار، وتم اختيار هذا الموقع ووضع التمثال فوق البناية التي تم تهيئته لهذا الغرض كما نظم احتفال كبير أثناء تدشينه. ونظرا للجهل الكبير المتفشي لدى السكان أصبح التمثال مزار للنساء كما يقام هناك احتفال كبير سنويا اثناء دخول فصل الربيع وبقي هذا الاحتفال مستمر حتى بعد الاستقلال فيما يعرف ب"شاوربيع" حيث يتم تحضير أطباقاً تقليدية ومنها كسرة الربيع التي تطلى بالبيض ويكون هناك نزوح كبير لجميع سكان المدينة نحوهذا التمثال، حتى ان بعض النسوة يقمن بإشعال الشموع أمام التمثال ومنهن حتى من يتضرعن للتمثال وهي نفس الطقوس التي كانت تقام في ضريح سيد الخير وسيد السعيد وغيرها من الأضرحة. المعبودة أو تمثال "القديسة مريم" أصبح مزار للأهالي ومنهم حتى من يتضرع إليه بعد الاستقلال ونظرا لتوسع المدينة غرب باب الجزائر واستمرارا السكان في زيارة التمثال والقيام بتلك الطقوس الغريبة على ديننا الحنيف،قام مجموعة من المجاهدين من الولاية بالاتصال برئيس بلدية سطيف طالبين منه إزالة التمثال للقضاء على هذه المعتقدات واستجابت البلدية لهذا الطلب وأقترح احد المجاهدين ويدعى "عبيد البشير" وكان مهتم بالآثار والتراث بنقل التمثال إلى المكان المتواجد به حاليا. تمثال المعبودة بسطيف بدون أي تخريب يتواجد تمثال المعبودة حاليا في المقبرة المسيحية وسط مدينة سطيف، حيث تم نصبه هناك ولا يزال في وضعية جيدة ولم يمسه أي تخريب، وهو من التماثيل القلائل الباقية والتي لم تنهب ليزين بها في مداخل الفيلات والسكنات كما حدث لعدة تماثيل صغيرة،لكن تمثال " القديسة مريم" ونظرا لوزنه الكبير بقي صامدا لحد الآن.