كان الخراط يصف أدبه قائلا "كتاباتي جهد مشترك أبذل أنا قسما منه عند الكتابة وأتوقع من القارئ أن يبذل نصيبه من الجهد ليصبح النص عندها مكتملا، فأنا أشجع القارئ على التفكير وإعمال العقل، والثورة على الثوابت والتعامل دائما مع المتغيرات". تصفه الكاتبة فريدة النقاش، بأنه قد صنع لنفسه عالما خاصا من خلال كتاباته، عالما تميز بالعزلة وكأنه أحد المتصوفين، فضلا عن أن رواياته تميزت بدقة تفاصيلها. وتضيف النقاش: كنا عندما نقرأ كتابات الخراط نعيش داخلها، قراءته لا تتوقف عند ظاهر السطور، كما تميزت كتاباته بثقل لغتها العربية مع روعة المفردات التي كان ينحتها بنفسه صانعا لغة خاصة، ما جعله واحدا من أعظم القصاصين في اللغة العربية خلال القرن العشرين. ونعى حلمي النمنم وزير الثقافة المصري وفاة إدوار الخراط، قائلا، أثرى الراحل المكتبة العربية بعدد كبير من الروايات والترجمات، واستطاع أن يلمس بأعماله وجدان القراء، واستحسان النقاد، فدارت حول أدبه الكثير من الدراسات النقدية والندوات، وأصبح محطة لاهتمام الباحثين في الأدب العربي والحداثة، كما تخرج من تحت عباءته الروائية كثير ممن ساروا على الدرب. شكل إدوار الخراط في الأدب المصري والعربي عامة حلقة خاصة وفريدة منذ أن أصدر أولى مجموعاته القصصية عام 1958، في ذلك الوقت كان محمد عبد الحليم عبد الله وجودة السحار وغيرهم من كتاب لجنة التأليف والنشر وعلى رأسهم نجيب محفوظ معنيين بتقديم رؤية اجتماعية تاريخية للواقع المصري، رؤية كان أغلبها ينتمي إلى الأدب الكولونيالي الباحث عن عادات وتقاليد الشعوب، وهي أفكار تنتمي إلى ما يعرف في علم الاجتماع بالأنثروبولوجيا أو علم دراسة الإنسان الأول، هكذا كانت النزعة الكولونيالية تسيطر على الأدب العربي في ذلك الوقت نقلا عن الأدب الأوروبي، لكن الخراط جاء طارحا ملمحا مختلفا تمثل في ما يمكن تسميته بالكتابة الصوفية، الكتابة الباحثة في العوالم الداخلية للروح، حتى أننا لم نكد نرى تطورا للمشهد لديه بقدر ما كنا نجد تحسسا للمسارات التي تسحب الروح من خلالها. هكذا جاء الخراط طارحا بعده الصوفي أو الغنوصي، محاولا التغلب على فكرة قبطيته عبر الاهتمام الزائد باللغة، ومنشغلا بتقديم طرح مواز لما قدمه داريل في رباعيته عن الإسكندرية، ومن ثم جاءت ثلاثية الخراط في هذا الإطار، لكنه تخطى داريل في البعد الصوفي أو الغنوصي للمكان وأثره على الشخوص وتحولاتهم. لم يدرك داريل هذه الجزئية الفلسفية التي وضع الخراط يده عليها، ربما لأنه ابن المكان وليس مجرد عابر كداريل، وربما لأنه كان منشغلا بهواجس وتخوفات وأحلام جماعته في وطن تهمين عليه أغلبية مسلمة، وطن يمتد التاريخ لصالح جماعته لكن الجغرافيا لا تخدمها، ومن ثم جاءت كتابته ما بين المكاشفة والغموض، ما بين الواقعية والصوفية، ما بين السؤال ومحاولة التهرب من الإجابة على السؤال. إدوار الخراط هو الكاتب الأبرز في الجيل الذي جاء بعد نجيب محفوظ، قدم طرحا إبداعيا لا أعتقد أن الكثيرين ساروا على دربه فيه، لكن الجميع لم يغفله، الجميع تماسّ معه من بعيد بدرجات متفاوته، ولم يستطع أن يكون راهب الكتابة الشعرية في الرواية الجديدة كما فعل إدوار الخراط.