اختارت الصحفية والروائية الجزائرية هاجر قويدري حقبة تاريخية تكاد تكون غائبة عن المتن السردي الجزائري، لتكون موضوعا لروايتها الصادرة عن "دار طوى" في لندن، ويتعلق الأمر بزمن الوجود العثماني في الجزائر، الذي امتد إلى ما يقرب الثلاثة قرون ، تاركا آثارا عمرانية وثقافية مستمرة إلى يومنا هذا. رغم تلك الخلفية التاريخية الكبيرة، إلا أن الساردة لم تشأ التوغل في تفاصيل الأحداث السياسية الكبرى لتلك الحقبة، بل اختارت شخصيات تعيش عوالمها الذاتية، ولم تأخذ من التاريخ إلا الإطار العام، وكأن تلك الشخصيات هي معاصرة لنا، تعيش هواجسنا مثلما عشنا هواجسها على مدار عدد صفحات الرواية التي جاءت بلغة حكي مسترسلة وشفافة وبأسلوب انسيابي يشد إليه القارئ. وعلى عكس ما يشي به العنوان، فإن الرواية تبتعد عن عالم الباشوات كما تعوّدت الروايات التي تناولت تلك المرحلة التاريخية على صياغته بطريقة "استشراقية" فيها كثير من الفانتازيا، بل اقتربت كثيرا من الجانب الخفي لتلك المرحلة من تاريخ الجزائر، كما لم تتناوله كتب التاريخ التي دوّنت بعض مفاصل تلك المرحلة التي لم تتمكن مرحلة الاحتلال الاستيطاني الفرنسي، الذي دام قرنا وثلث قرن من محو كثير من تفاصيلها التي مازالت حاضرة في المخيال الشعبي. اختارت هاجر قويدري تقنية القصة داخل قصة، لتبرر تفاصيل تلك الحكاية التي شاءت أن تكون في عمق الجزائر قبل عقود من سقوطها تحت الاحتلال الفرنسي. وتفاصيل قصة "الضاوية" وهواجسها التي فصّلت فيها، ما كان ليكتمل إطارها العام إلا من خلال "الإسعاف الروائي" الذي وإن جاء في صفحتين ونصف صفحة، إلا أنه وضع داخل إطارها الروائي، وكان ذلك "الإسعاف" بقلم واسم الروائية نفسها، وكان يمكن أن يكون في مقدمة العمل، لكنها لدواع فنية اختارته أن يكون في خاتمتها، لتبرير السرد التاريخي وتبرير العنوان نفسه الذي بدا غامضا طيلة الصفحات السابقة. وتنتهي تلك الحكاية "المجروحة" بتعبير الكاتبة نهاية محلّقة في سماء الأحلام وهي تقول: "نحن نحلم بأشياء كثيرة في حياتنا، ولأنها لا تتحقق ننساها وننسج غيرها، وكأنما الحكمة من ذلك هي نسج الأحلام وليس تحقيقها". استطاعت رواية "نورس باشا" أن تنفلت من قبضة الأحداث التاريخية الكبرى التي ميّزت التاريخ العثماني في الجزائر، واختارت بعض المفاصل الدقيقة لتسرد تلك الحكاية الإنسانية التي أعادت النقاش عن "الرواية التاريخية" في الجزائر، وهل ما كتبته بالفعل هو تاريخ أم أن التاريخ مجرد إطار للحكي؟