على غير العادة، فضلت السلطة تعبئة الشارع، ليس بخطاب ترهيب من الخطر الخارجي بطريق مباشر وكلام وزراء في الحكومة، مثلما كانت تفعل في السابق، بل عن طريق وكلاء يحشدون الدعم من كل الجهات لخطاب "الجزائر في خطر"، و"داعش على الأبواب"، وهذه المرة الوكلاء يلبسون قمصانا بيضاء وبلحى مشذبة، وآخرون ب"موسطاش" و"كلاش"، على رأي أويحيى، وثالث الفئات، دعاة جمهورية ثانية، من باب فتح المجال للأحزاب في حماية الداخل من تهديدات الخارج، وبين الجميع وكيل ناشئ يتحدث عن "خطر قائم، وخطر قادم"، وهو يلخص لماذا يهب الإسلاميون، الآن، لنصرة الدولة في حالة خطر خارجي، تزامن مع تضعضع كبير في الاقتصاد والأحوال المالية للبلاد. حادثة وادي سوف، واسترجاع منظومات صواريخ "ستينغر" الأمريكية، التي تثير تساؤلات واقعية عن "طيرانها" من ليبيا، إلى وادي سوف الحدودية مع تونس، رغم أن تركة القذافي العسكرية فيها أسلحة روسية.. هي حادثة قرّبت المتصارعين، سياسيا في الداخل، من خطاب السلطة التحذيري مما يحدث على الحدود الشرقية للبلاد، في ظرف وجيز جدا، وصار بإمكان وزير الداخلية، (الذي سبقه لدق طبول الترهيب من الخطر أمين عام الافالان، ومناصرة، وحركة الإصلاح، وكلام الارنداويين، وأحزاب أخرى، لا هي في الحكومة ولا هي في البرلمان)، التحذير بشكل رسمي مما يحدث على الحدود، وأصبحت كلمة "داعش" حاضرة في الخطاب الحكومي الذي مهد له وكلاء السياسة الطريق للتعبير عما يوحي أن مبررات التعبئة الشعبية ينبغي أن توظف الآن.. وقبل فوات الأوان في نظر من يمسكون زمام السياسة الخارجية والداخلية. الحملة السياسية-الإعلامية التي باشرها حزبا السلطة قبل أسابيع حول "داعش"، والخطر المتربص بالحدود، وإمكانية تأثير ما يحدث في ليبيا وتونس، على الجزائر بشكل مباشر، لم تطُل، ووجدت مبررا قويا لما كانت تقوله في السابق، في هجوم داعشي على مدينة بن قردان التونسية، الأسبوع الماضي، وهي محطة حسّست أحزابا معارضة بوجود "خطر قادم"، مثلما قال مناصرة، وليس مجرد "كلام مدعشن"، لتبرير ما قد يوحي بخطر، أو إبعاد الرأي العام عن قضايا داخلية أهم، مثلما عنّ للبعض في زمن مضى. ولأن طرفا الاستقطاب السلطوي، اليوم، من "موالاة" و"معارضة" (بمختلف تركيبتها الإيديولوجية)، يعتقدان أن الجيش صمّام أمان، حتى وإن دعا طرف إلى إبعاده من شؤون السياسة، ذلك ما سهّل تقريب "وجهات النظر" بخصوص ما حدث في تونس، ثم في الوادي، وبرزت مخاوف من تكرار السيناريو في مكان آخر. وكانت لويزة حنون، تقول هذا الكلام منذ سنوات لدرجة ارتبط خطابها ب"التهديد الخارجي"، توظيفا، أكثر من "الارندي" و"الأفالان"، وهي الفاصلة السياسية الوحيدة، التي ظلت تكرر كلاما عن خطر قادم من ليبيا، وتناصر الأطروحة الأمنية في الرد على ما قد يأتي من الجهة الشرقية. والجديد، في التحذير من الخطر الخارجي، هو رفع الإسلاميين الحرج في الحديث عنه، وهم مثلما هو معروف، يتحرجون من التصاق خطاباتهم، أواقترابها مما تقوله السلطة، في السابق، وها هم ينزعون تلابيب الخوف من مثل هذا الالتصاق، ويقولونها صراحة "نحن مع الجيش"، في مواجهة ما يأتي من الخارج، وهذا في حد ذاته تحول في أدبيات سياسية، لم يعهدها الجزائريون، من أحزاب مصنفة إسلامية، إذا استثنينا تجربة الراحل محفوظ نحناح مع السلطة أواسط التسعينيات.. وسنرى لاحقا، إن عمار سعداني، الذي حرك "الجهاز" لشرح التهديد الخارجي، سيكرر خطابا أفلانيا يخدم الدولة، عن "داعش" ومن والاها، ويكرس حالة استقطاب وتعبئة شعبية، تسمح له بقول كلام، يُرجعه إلى الواجهة، وبين جنباته يزرع الرجل رسائل سياسية عن ما يُقال في الداخل، وما جرى في السابق، وينتقد أويحيى، ويهاجم "الدياراس" سابقا، في سياق ما يراه عقيدة جديدة للافالان: الدفاع عن الرئيس، و"الدفاع عن جمهورية ثانية" و"الدولة المدنية".. وقريبا من هذا الخطاب نرى ملاعبة ومداعبة بين أويحيى ومقري، يتبادلان فيها تهما، لا علاقة لها بالسياسة، مكونة من كلمتين: "أنت داعشي"! وقد تتوسع هذه المداعبات السياسية، (تذكير ب"الظلامية" والإرهاب في التسعينات، الى "الدعشنة"، هذه الأيام) لغاية في نفس من يتابعون التعبئة، وهم يقولون: الجزائريون قلب واحد لما يتعلق الأمر بأمن البلاد..