اختصرت مواقع التواصل الاجتماعي المسافات بتعزية عبر رسالة نصية قصيرة أو طويلة نرثي فيها ميتا، و نواسي فيها أهله عن طريق الفايسبوك أو الماسنجر، ولم يعد لنا القدرة على التنقل لمواساة زميل في العمل أو صديق، أوحتى بعض المقربون، واستبدلت لحظات الوداع الحقيقية بمشاعر الكترونية زائلة مع غلق أجهزتنا. زهية.ب صفحات الفيسبوك تتحول إلى بيوت عزاء لا يمكن لأحد أن ينكر التغير الكبير الذي طرأ على حياتنا الخاصة والاجتماعية منذ أن بدأنا نعيش حياتنا الافتراضية بالتوازي مع الواقعية، فكل واحد منا لديه حساب أو أكثر على وسائط التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك وغيره، حيث تحولت صفحات فيسبوك إلى صالونات اجتماعية تتقبل فيها التعازي، وكل أساليب المواساة والشعور مع ذوي الفقيد، فذلك بالنسبة للبعض أسهل كثيرا من مشقة الذهاب إلى بيت الأجر، وفي الاسم دلالة، حيث الشعور الحقيقي مع أهل المتوفى، والوقوف إلى جانبهم فعلا، ومشاركتهم أحزانهم بصدق، إضافة أن أهل العزاء غالبا ما يكونون عاجزين عن فتح أجهزتهم والتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تلك اللحظات الصعبة، ولا يعوض المواساة الحقيقية شيئ آخر، واقع سردته لنا صفية،37سنة، عن جملة التعازي التي استقبلتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عند وفاة والدها، غير أنها في تلك اللحظات لم تتقبل فكرة الرد عليهم ولا قراءة تعازيهم، معتبرة الأمر مجرد شكليات فقط وأن العزاء الحقيقي لا يكون إلا بالحضور الفعلي لا الافتراضي، كما انتقد ياسين،42سنة، الواقع الذي أصبحنا نعيشه حينما أصبح يثقل على الواحد منا الذهاب لأهل المتوفى وتقديم العزاء لأهله، معتبرا ذلك من أهم سلبيات التكنولوجيا التي جعلت مشاعرنا تتسم بالبرودة والجفاء، مصرحا أنه يرفض بتاتا هذا النوع من العزاء ويعتبره مجرد حبر على ورق. التواصل الحقيقي يستبدل بالمشاعر الالكترونية فالأمس القريب كنا نسمع خبر موت أحدهم من هنا وهناك، ونشاهد في أروقة الحي أوراق النعي معلقة على الجدران، فيتسابق الجميع إلى أداء واجب العزاء. أما الآن، فهنالك أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تقبل فيه كل أشكال العزاء، بل ويبكي البعض وفاة أحدهم على حائطهم الفيسبوكي على حساب لحظة الوداع الفعلية، واستبدل الوداع الحقيقي لحما وقلبا مع أحبتنا بمشاعر الكترونية زائلة لا تلبث أن تنطفئ وتتلاشى حالما تغلق الأجهزة الذكية، هذا ما صرح به الكثير ممن تحدثنا ليهم حول الموضوع، معتبرين أن العزاء الحقيقي والمشاعر الصادقة تكون بالفعل وليس مجرد المشاركة في هذه المواقع، هنا سردت لنا عائشة، 26سنة، حينما قام خطيبها بتعزيتها عبر موقع التواصل الاجتماعي عند وفاة أختها، مستخدما أجمل عبارات التعازي مع صورة أختها الراحلة، الأمر الذي أثار غضبها بشدة لدى سماعها الخبر، باعتبار أنها ليست لحظات للتواصل الاجتماعي، ولم يكلف نفسه عناء المجيئ لبيتها لحضور جنازة أختها، الأمر الذي لم تتقبله عائشة وألغت خطوبتها فور انتهاء مراسيم الجنازة، مضيفة:"الأمر لا يتعلق بمجرد الحضور أو عدمه، وإنما هو واقع يترجم صدق المشاعرمن عدمها، والماساة الحقيقية حينما يساندك أحدهم جنبا إلى جنب ويكون حاضرا أمام عينك، يخفف بها ألمك ويواسي أحزانك، أما مجرد كلام على صفحات الفيسبوك فالجميع يمكن له كتابتها" دراسة: تويتر يستخدم للنقاش والجدال وحتى للتمجيد أو لإدانة المتوفين أحيانا قامت باحثتان أميركيتان هما نينا سيزار وجنيفر برانستاد بإجراء بحث على هذه المسألة، وقد قامتا بتحليل الردود والتعليقات على حسابات بعض المستخدمين المتوفين، والتي استغلها أقارب وأصدقاء الشخص المتوفى، لإبلاغ الناس بخبر الوفاة في شكل يمزج بين السلوك العام والخاص، حيث كان إعلان خبر الوفاة يختلف في "تويتر" عنه في وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، الأمر مختلف على تويتر، فكثير من مستخدمي موقع تويتر، كانوا لا يعرفون الشخص الميت، ومع ذلك يتجهو للتغريد بتعليقات شخصية أو عامة حول المتوفى، وفي بعض الأحيان يربطون الوفاة بقضايا اجتماعية أوسع كالمرض العقلي أو الانتحار وغيرهما. وقامت الورقة على تصنيف واحد وعشرين ألف نعي وفاة في تلك السجلات وحددوا 37 شخصاً من المتوفين لهم حسابات على تويتر، وكانت الأسباب الأكثر شيوعا للوفاة للأشخاص في العينة هي بالترتيب: حالات الانتحار وحوادث السيارات وحوادث إطلاق النار، وقد حللت الباحثتان الكلمات المنشورة على حسابات ال 37 شخصا (العينة) بعد إعلان وفاتهم، لمعرفة كيف غرد مستخدمو تويتر حول المتوفين. وقد خلصت الورقة إلى أن تويتر استخدم للنقاش والجدال وحتى للتمجيد أو لإدانة المتوفين. ومن بين النتائج التي توصلو إليها: أكد بعض مستخدمي تويتر ارتباطهم بالراحل عن طريق مشاركة ذكريات، وبعض التعليقات التي تؤكد العلاقة بينهم، مثل: "أحبك وأفتقد تشجيعك لي"، "أحبك وأفتقدك كثيرا"، في حين علق آخرون على طبيعة الوفاة بمثل "من المحزن قراءة تويتات الفتاة التي قتلت"، وأعرب آخرون عن أفكارهم حول الموت والحياة بعبارات مثل: "تراه في يوم ثم يرحل في اليوم التالي"، في حين أصدر بعض المستخدمين أحكاما على المتوفى في تعليقات مثل "أن تكون مالكا لسلاح ناري، فذلك يفرض عليك أن تتمتع ببعض الحس السليم، وهذا ما يبدو أن الشخص المتوفى يفتقده"، وبعبارات لا تتجاوز 140 حرفا، فينشرون أفكارا تلمس مشاعر المستخدمين الآخرين، وتعري أرواحهم، وتقول الدراسة إن من أهم سمات تويتر أنه يخلق جوا أقل شخصانية، ويشجع المستخدمين على الانخراط في التعليقات على أحزان الوفاة مهما بعدت صلته بالمتوفي.