ولقد حسم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» فواجب على أهل الحق من المصلحين الصادقين أن ينذروا، ويحذروا أهل الفساد، والواقعين في حدود الله عز وجل، وأن يأخذوا على أيديهم قبل أن تغرق السفينة بالجميع. وهذا الواجب قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم على اختلاف مراتبه ودرجاته. ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود أ رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلاّ وكان من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنّه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» فإن عجز أحد من النّاس أن ينكره بيده أو بلسانه فإن إنكار القلب كمرتبة الإنكار فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولا يعذر بتركه على الإطلاق.