في الروايات العالمية، فحسب، وفي الأفلام، يمكن للبطلة أن تبدو ساحرة وشهية، حين تبكي، ولروحها أن تتألم على ضوء موقد شتوي دافىء، داخل منزل فاخر، تعيش فيه بمفردها، بينما تتصل صديقتها - الجميلة مثلها أيضا - لتخبرها أنها متوفرة دوما لمواساتها، في نزلة الحب التي تعانيها، وأنها ستتولى إدارة شؤون المكتب الفخم، ريثما يتعافى قلبها المفطور.. ومهما كانت متواضعة الجمال، أو من حي فقير جدا، فهناك دائما شاب وسيم يراقبها من بعيد، ويفكر بها..ويرى مالا يراه العامة، من عمق تفكيرها وروحها البريئة الطفلة.. يمكن أيضا للبطل أن يلتقي ب« Autumn" بعد طول عذابه في حب " Summer"، أو يجد عملا أروع بكثير، في النهاية، بعد أن طرده مديره المتعسف من عمله الأول.. إنها بلاد الحريات والفرص المتكافئة..لا يُفقد فيها الأمل أبدا.. كنتُ ذات مرة، أعاني من وعكة قلب، طالت لبعض الوقت، ولأن بيتنا كمجتمعنا كوطننا بأكمله، يعتبر اقتراف الحب من الكبائر التي لا تُقبل التوبة منها، حلمت بمكان صغير، أتمكن فيه من الانزواء بقلبي المرتجف من حُمّى العشق، فلا موقد من خشب فاخر ببيتنا، ولا حتى غرفة تخصني لوحدي !..وكان الجو باردا، لكن ذكائي الصغير مكّنني من حيلة بسيطة جعلت بها الجميع يخرجون لبيت جدتي، وتحججت بأني "سأشطف" وأنظف المكان.. وفعلا بدأت بصب الماء على الأرض، إلى أن انفردت بنفسي في البيت..فرحتُ أضع أغنية ليلى مراد " ليه خليتني أحِبك..روح منّك لله!!" وأبكي معها بأعلى صوتي..طبعا لو كنت اخترت أغاني الراي العميقة التي لا يفهم روعتها والطريقة التي تحفر بها صخر الأعماق، إلا الجزائريون، لكنتُ في عداد الهالكين بالسكتة العشقية، لا محالة !! ليلى مراد بوداعة صوتها، " ما قصّرت" أيضا..وكان علي أن أتمّ تنظيف البيت، ويبدو أن الحزن يمنح قوة إضافية للإنسان، فقد أنهيت عملي ورتبت كل شيء قبل عودتهم، ووجدت بعض الوقت لأجلس إلى المدفأة، ورأسي مربوط ب« محرمة" بسبب كثرة البكاء، وعيوني المتورمة، وأذكر أني فكّرت بصوت عالٍ، وكان تفكيري كله شتما لذلك الذي أحببته، وخذل أحلامي! و لم أترك أحدا في عائلته لم أسبه، ثم عدتُ أشتم نفسي..كيف تجعلها ذريعة الحب تتنازل، وتهين كرامة جبال الأوراس التي اتخذت منها ملاعبا للصِبا، ومرتعا للأحلام، وكيف تقبل بِذُلِّ الانتظار، وهي "المبرمجة جينيا " على الكبرياء!! كان أنفي يسيل ودموعي أيضا، لكن لم يتصل أحد لمواساتي! ولم أجد ذلك الحبيب، ينتظر على المنعطف الأول، أمام بيتنا.. حتى أني لم أعرف أبدا إن كان قد توقف لبرهة، ليقارن بيني وبين حبيبته الموالية، فقط لأجد عزاءًا بتفوقي عليها، في المقارنة!! في الحقيقة، وبعيدا عن القصص والأفلام، قد تتعرض لمواقف مهينة لأجل الاحتفاظ بعملك، فلن تجد مطلقا غيره، إن تم تسريحك... وقد يبقى قلبك معلقا، مثل قطعة لحم مجفف، على جسور منسية، لطول العمر البائس، دون أن يسعفك حب جديد، والمصيبة لو أنك من النوع الذي يؤمن بالحزب الوحيد..أقصد الحب الوحيد!! بل إنك قد تسقط بفعل طول جفافك، وتجرفك مياه الوادي التي تشبه المجاري، فتتساءل، وأنت تستسلم لغرق مهين: ما الحكمة من وجودي بالأساس؟! في واقع الأيام، قد تحب من لا يحبك، ويحبك من لا تستطيع، برغم إدراكك بذلك، أن تحبه، وتتقاطع سكك الحياة بشكل أقرب للعبثية واللامنطق. في الواقع، قد تصاب والدتك بمرض خبيث، لا ينفع معه علاج، أو تنشأ في عائلة فقيرة، تتعجب وأنت تركض لتأمين لقمة العيش لها ولنفسك، كيف أن هناك أناسا يتجادلون بِحِدة، بسبب لون الرخام الذي يختارونه للمطبخ، أو المكان الأفضل لقضاء عطلة نهاية الأسبوع..! في الواقع، تضطر لئلا تحتفظ من نبضك إلا بالقدر اليسير الذي يضمن استمرار ما يطلقون عليه " عيشا"، بينما تُلقي بالنبضات الزائدة عن الحاجة..تلك التي تُعنى بالحب والغيرة والطموح والأحلام والأماني، في أول مكبّ تصادفه..حفاظا على الوزن الخفيف !!.