فقه الواقع، ..استعير هذا المصطلح من سادتنا العلماء و الفقهاء في ديننا الإسلامي، فهو ربما الكفيل ، بتفسير أوضاعنا و فهم حالتنا، و إعطاء ملامح الصورة المقاربة لحالنا والتوصيف المناسب للمرحلة المعاشة : ثقافيا، اجتماعيا، سياسيا... من الصعب الحديث عن " قيم" ، أو منظومة قيم ، ما لم يكن هناك إدراك بالمرحلة المعاشة و وعي بالحالة الحياتية المحيطة بنا ابتداء من الذات و خوالج النفس إلى السلوكات اليومية، في مختلف جوانب الحياة السياسية و الاقتصادية،و الاجتماعية....،فمن خلال متابعتي المتواضعة لبعض مجالس الفكر و الأدب، وهي عادة تتناول عناوين مهمة، من قبيل : الإبداع و الآخر، أو السرد في التراث العربي، أو المرأة و الإبداع، أو المثقف والسلطة،... ، أجد و كأننا ندور في المكان نفسه ، فيفرض السؤال نفسه، لما هذا الدوران الفارغ؟!، أو هذا الدوران في الفراغ؟..أعتقد أنه من الظلم الكبير لمجموع( القيم) التي نرفعها ( شعارا) ما لم يكن هناك إدراك حقيقي بما يرتبط بتلك القيم من سلوك و عمل ، أو السعي لتحقيق تلك الرابطة . فالملاحظ في أحايين كثيرة وفي جوانب متعددة من حياتنا العربية المعاصرة أن هناك فجوات عميقة بين القيمة و بين السلوك، بين الاعتقاد و العمل. و هنا لا فرق بين من يزعم حمله لقيم حداثية أو تقليدية. فحالة الانفصام هذه، التي قد لا يقرّها البعض منا. قد يكون لها سياقها التاريخي و النفسي. و لكن الأخطر في ذلك هو عدم الوعي بذلك.. في الحقيقة كلما تقلّصت المسافة بين القيمة أو الفكرة و السلوك المتأتي من تلك القيمة، كلما تقدّمت نسبة التحضّر في المجتمع ، و العكس بالعكس.. و من جهة أخرى فإن عدم الاهتمام بهذه الفكرة في جوهرها - فكرة ارتباط القيمة بالسلوك - يحيل منتدياتنا الفكرية و الثقافية إلى ساحة واسعة للكلام و الجدال. كما يجعل منا بشعور أو بدون شعور، منخرطين في نضال وهمي غير حقيقي. أو مُستدرَجين لمعارك و قضايا غير التي تعنينا.. و أن هذه الملاحظة لا تعني أبدا الانتقاص من أي جهد ثقافي فكري جاد مهما كان ، نعم أقول مهما كان، لأنه من اليقين أن تراكم هذه النشاطات و تكثيفها هو الذي يعطي النتيجة المرجوة منها في النهاية، تبعا لمرور الزمن و احتكاك التجارب و تلاقح الأفكار . فهذه النشاطات في ساحتنا الثقافية المحلية و الوطنية و العربية ،تبقى دون المأمول بكثير كميا وكيفيا. و هو ما يعني الالتزام بالروح الإيجابية و تكثيف التنشيط الثقافي و الفكري الحرّ، على مختلف المستويات .، و بالتأكيد ما ينفع الناس سيمكث في الأرض و تورق فروعه ورودا تبهج الحياة ، و تملأ السماء بهاء .