- مربو عين البية وحاسي مفسوخ ينتظرون وصول اللقاحات لحماية مواشيهم كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا، عندما وصلنا إلى مزرعة بلجيلالي حبيب، الكائنة بمنطقة أولاد بلجيلالي بالقرب من دوار العيايدة، بلدية عين البية بوهران، كان الجو مشمسا والبراري خضراء طلبنا من السائق استعمال بوق السيارة، بعدما لاحظنا أن أهل المنزل واضعين لافتة مكتوب عليها «وقوف» عند مدخل المزرعة، وبعد دقائق معدودات من الانتظار، خرج علينا أحد أبناء السيد بلجيلالي حبيب صاحب هذه المزرعة الغناء، اعتقد في البداية أننا بيطريون جئنا لتلقيح ماشيتهم، لنخبره أننا بعثة صحفية قدمنا بغية، إجراء روبورتاج حول الماشية وتأثير طاعون المجترات الصغيرة عليها. تخوف من الطاعون عندئذ أجابنا وعلامات السرور بادية على وجهه :« جئتم في الوقت المناسب، صراحة حاولنا الاتصال بالصحافة، لنطلعهم على المعاناة التي نواجهها من جراء هذا المرض الخبيث، وها هي الصدف تأتي بالخبر الجميل والمناسب، ظننا في البداية أنه صاحب هذه الضيعة الغناء، لكن أخبرنا أن والده سي حبيب، هو من استصلح هذه الأرض الممتدة على قرابة ال3 هكتارات ونصف، وما هي إلا دقائق معدودات، حتى رمقنا سيارة سوداء اللون، تهم بالدخول إلى المزرعة، ليخبرنا ابنه الأكبر، بأن والده راكب فيها، ومن الأفضل استجوابه هو بالذات، ليعطينا جميع الإجابات التي نحتاجها، كان شيخا متقدما في السن، بشوشا ولكن حزينا على الأوضاع التي آلت إليها ماشيته التي يربيها منذ سنوات، حيث وبمجرد أن ظهر هذا الطاعون الفتاك، حتى أعلنت جميع العائلات القاطنة بهذه المنطقة، الطوارئ خوفا من هلاك الأغنام والماعز وحتى الأبقار، لاسيما وأنها مصدر رزقهم الوحيد، طلب منا الدخول إلى «الزريبة» التي كان يربي فيها بعض النعاج والخراف الصغيرة، ليبدأ محدثنا في إخراج ما كان يختزنه قلبه من آلام وأشجان، خصوصا بعد هلاك قرابة 7 مواشي، من جراء هذه العدوى الخبيثة. 3 سنوات دون بياطرة ! ليتساءل عن سبب الانتشار المروع لهذا المرض، وبهذا الشكل السريع، وما جدوى اللقاح الذي تم جلبه في الآونة الأخيرة، في حماية أغنامهم التي يمتلكونها، خصوصا وأن العديد منهم فقد العشرات منها، وفي ظرف قياسي وجيز، حينئذ قاطعه أحد أبنائه الذي يرعى هذه المواشي ويتكفل بها، ملتمسا من والده إخبارنا بعدم مجيء البياطرة إلى ضيعتهم منذ 3 سنوات، وهو الأمر الذي اضطرهم إلى استعمال سبل الوقاية والعلاج الذاتي، بالاعتماد على الأدوية المصنوعة بالأعشاب الطبية وشراء الأدوية واللقاحات، التي يزيد سعرها أحيانا عن ال4000 دج، لتلقيح ماشيتهم من هذا الطاعون اللعين الذي يتهددهم، من باب القاعدة الشهيرة «الوقاية خير من العلاج»، ليقوم بعدها بإخراج نعجة عزلها عن باقي المواشي، حيث بدت نحيفة وظهر على رأسها عدة رضوض وكدمات، متأثرة بالمرض الذي أصابها، مؤكدا لنا أنه لم ير في حياته مثل هذا المرض الخبيث الذي فتك بالمئات من رؤوس الأغنام، وأنه متخوف من انتقال العدوى إلى باقي النعاج والخراف. راع لكنه واع تركنا مزرعة السيد بلجيلالي حبيب، وتوجهنا بعدها إلى ضيعة هجام فراجي بحاسي مفسوخ، حيث التقينا بأحد المربين يدعى بختي عبد الله، كانا شابا يافعا ويعشق كثيرا رعي الأغنام، اعتقد في البداية أننا زبائن ونريد شراء خراف لإقامة وليمة أو حفل زفاف، إذ وبمجرد توقف سيارة العمل، طلب منا عدم التقدم كثيرا والبقاء عند مدخل المزرعة، خوفا على ماشيته من الطاعون، التي كان يرعاها أحد الشباب في البراري والحقول المجاورة للزريبة، ولكن وبمجرد أن أخبرناه بأننا بعثة صحفية قدمنا لإجراء استطلاع حول انتشار الطاعون، حتى شرح لنا سبب منعه لنا من دخول الحقول التي كانت ترعى فيه ماشيته، موضحا بأنه تفاديا لأي طارئ، وعملا بنصيحة أحد البياطرة الذين يعرفهم في مدينة «قديل» قام بعزل جميع خرافه ونعاجه عن تحركات الناس والحيوانات، وعدم إدخالها إلى الأسواق حتى لا تختلط بباقي الأغنام، ما قد يعرضها لهذا الطاعون الخطير، الذي فتك بالعديد من المواشي، وقد مكنته هذه الإجراءات الوقائية من حماية قطيعه الذي لم تصبه عدوى المجترات الصغيرة، وقد بدت على هذا الراعي وهو يتحدث إلينا علامات الخوف من احتمال انتقال الداء إلى أغنامه، لاسيما وأن الكثير من المربين، فقدوا العديد منها دون أن يعرفوا مصدر العدوى. حاسي مفسوخ في عين الإعصار ووجه هذا الشاب نداء للمصالح المعنية، بضرورة الإسراع في توزيع اللقاحات، وإيفاد البياطرة إلى المزارع والمستثمرات الفلاحية لمراقبة المواشي وفحصها وعلاجها، حفاظا على هذه الثروة الحيوانية التي تزخر بها بلادنا. حينها أخبرنا الشاب بختي عبد الله، بأنه يوجد أحد المربين يدعى قويدر ولد المداح، تعرض لضربة قاصمة من جراء الطاعون، وأنه مرشح لتكبد المزيد من الخسائر المادية، في حالة ما إذا لم تتدخل المصالح الفلاحية لإنقاذه، لاسيما وأنه مربي معروف في المنطقة وقد توارثت عائلته هذه الحرفة أبا عن جد، عندئذ قررنا التوجه إليه وتجشمنا صعوبة المسلك الذي أخذناه، حيث قطعنا قرابة ال3 كيلومترات، في أرضية ترابية مليئة بالمطبات والحفر، حتى نصل إلى هذا المربي، الذي أصبح حديث العام والخاص، لدى سكان المنطقة، وبعد قرابة ربع ساعة من السير على متن السيارة، حتى شاهدنا على بعد 250 مترا، راعيا شابا جالسا يراقب قطيعه وهو يرعى في أرض خضراء بالقرب من بحيرة « تيلامين» المصنفة ضمن إحدى المناطق الرطبة في العالم. توجهنا إليه مشيا على الأقدام حيث وجدناه في انتظارنا بعدما اتصل به الراعي بختي عبد الله هاتفيا، وأخبره بأننا نريد الالتقاء به واستجوابه بخصوص الكارثة التي ألمت به، رحب بنا على الفور، وأخبرنا بأنه جد مسرور بقدومنا، لاسيما وأنه تضرر كثيرا من هذا الطاعون، الذي فتك بأزيد من 70 رأس غنم وماعز، والرقم مرشح للارتفاع مع مرور الأيام، وهو ما سبب له خسارة مادية كبيرة، لم يتعرض لها طيلة حياته، وحتى يطلعنا على أعراض هذه العدوى اللعينة و«المجزرة» مثلما وصفها لنا «شريقي عبد القادر» في حق قطيعه، أخبرنا أنها للأسف تصيب الخراف الصغيرة التي يقل عمرها عن 4 أشهر فما تحت، حيث تبدأ تعرج في المشي، وتشعر بالتعب والضعف والإرهاق، لتموت بعدها متأثرة بهذا الفيروس اللعين. ممنوع اللعب بأرواح المواطنين وعن سؤال بخصوص أسعار الماشية بعد ظهور هذا الطاعون الفتاك، أخبرنا محدثنا بأنه وخشية على أرواح الناس، منع تسويق خرافه منذ قرابة الشهرين، ريثما يتم القضاء نهائيا عليه، مؤكدا أنه ينتظر بفارغ الصبر وصول اللقاح، حتى تنتهي معاناته التي تسبب له في خسائر مادية فادحة تقدر بالملايين السنيتمات، وحصوله على تعويضات، تجعله يسترجع النزر الكبير من أمواله التي ذهبت أدراج الرياح من جراء هذا المرض الفتاك. وقبل مغادرتنا المكان أبى شقيقه إلا أن يأتي إلينا ليمرر لنا بعض الرسائل التي كان يود تمريرها عبر صفحاتنا، حيث وبلغة مليئة بالأمل والصبر والثقة، صرح لنا قائلا لو يعطوني مناصب إدارية مرموقة أو أموال طائلة على أن أتوقف عن مزاولة حرفة رعي الأغنام ما قبلت.. هذه «الخبزة» ورثناها عن أبينا وجدنا، ومن المستحيل تركها تضيع بسبب هذا الطاعون، سنقاومه حتى ننتصر عليه، ليختم رسالته بابتسامة تحمل العديد من المعاني :« نقول للشعب الجزائري، لا تخافوا ولا تقلقوا ... عيد الأضحى فيها فيها والأسعار ستبقى كما هي.. ما دام رانا متشبثين بالمولى عزّ وجل، والدولة تاعنا واقفة إلى جانبنا .. !»