إن من المواضيع المسكوت عنها في المجتمع العربي موضوع العبيد و العبودية و العنصرية، و لعل السؤال المطروح هل الرواية العربية رواية عنصرية بالافتراض؟ و هل أن الكتابة الروائية في الوطن العربي تكرس هذا الواقع من عدم الالتفات إلى ممارسات اجتماعية تقوم على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؟ و حتى إن وجدت بعض النصوص التي التفت إلى هذه الظاهرة فإلى أي حد استطاعت أن تؤسس لوضع جديد يتجاوز العلاقة القهرية ، و التي تدين كل تلك الممارسات المرتبطة باستعباد الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. رواية عن مأساة العبيد و سوق النخاسة، رواية قد تستدعي رواية جذور، ملحمة عائلة أميركية (Roots: The Saga of an American Family ) لألكس هالي ذلك النص الغائب ليستدرج القارئ نحو أفق مظلم معتم. إن "فستق عبيد" رواية عن استباحة الجسد و الروح و الفكر لما يتحول الإنسان عن طبيعته ليصبح كائنا يستغل أخاه الإنسان بجبروت و قوة و من دون رحمة أو رأفة، رواية عن انفلات الشهوة و النزق لما ينقسم المجتمع إلى أسياد و عبيد، و يصبح الرجال وحوش الغابة لا همّ لهم إلا افتراس الأجساد، رواية تنطلق من السودان في رحلة قهر و عذاب عبر سوق النخاسة و الرحلة عبر صحراء ليبيا و وصولا إلى الجزائر العاصمة و من ثم إلى جزيرة ليلى فجبل طارق و الاستقرار بالبرتغال، و يقوم كامونقة أو السيد بسرد الحكاية التي ترصد مجموعة من الأحداث و تقدم مشاهد مثيرة لا تنفع معها إلا مناجاة الله و الصلاة لإله يسمعنا و لا شك، لا يشبه الإله الذي يصدحون باسمه في أعالي المآذن في السنغال البعيدة، و لا هذا المصلوب على واجهة جدار في الكنيسة، إله يرأف بحال الفتاة. رواية تدين الأوروبيين و اليهود على الرغم من أن الرواية تشير في بدايتها إلى أن الانجليز كانوا يزعمون أنهم جاءوا لمنع تجارة العبيد. تقدم الرواية صورا عن العبودية كعبودية الرجل الأسود للرجل الأسود، وعبوديّة الرجل الأسود للتاجر، وعبوديّة الرجل الأسود لرجل الدين. تطرح الرواية سؤالا مهما عن العبودية هل هي قدر محتوم؟ فكيف لرجل أسود أن يجني المال؟و كيف لأسود ألا يكون عبدا؟و هل يمكن الحصول على عقد عمل لا يصادر حريتهم؟ و هل يملك العبد حق العودة إلى موطنه الأصلي بدلا من العيش في وطن بديل؟ تجيب الرواية: ليسوا أهلك، أجدادك جاءوا من السنغال، هؤلاء مزيج كريه لا يشبهك.أمل العودة يوما إلى الوطن حلم يراود كل من هُجّر عنوة عن أهله و لابد من العودة إلى الأهل بدارفور؛ حلم على الأقل يقرب من مكان فاتن يمتد فيه سهل الفول(فستق العبيد) حيث يمكن الركض و الفرح و الحب. بنيت الرواية على رحلة العذاب و المشقة و المهانة و الاحتقار، و تنطلق من وضعية اجتماعية تنبأ عن تغير محتمل و تحول حتمي الذي يترتب عن وضع اجتماعي مختلف أمام قوة قاهرة استعمارية مستغلة ما قبل الحرب العالمية الثانية و ما بعدها، و تقدم الرواية صفحات من تاريخ البرتغال الاستعماري و عن الأفق المنتظر و الفرج القريب. تقول الرواي على لسان أحد الشخصيات: سنطرد كل البرتغاليين و البيض و لن يكون هناك عبيد. إن توطين أحداث الرواية في السودان و ليبيا و الجزائر ثم البرتغال له أكثر من دلالة، فعللا الرغم من أن الوضع تعرفه الكثير من البلدان العربية، فإن الرواية قدمت أكثر من مبرر لهذه الرحلة في ماضي البشر و عنفهم و استغلالهم و جبروتهم، و من تطرح الرواية الكثير من الأسئلة التي تفتح حوارا مع القارئ حول المستقبل الذي لا يريد أن يتنكر لماضٍ غير مشرف قد يشعره بالخزي و العار. اعتمدت لغة الرواية على الانتقاء و الاختيار من اللغة و ما يتوافق و طبيعة السرد و الشخصيات و الحوار بحسب المكان و الزمان ، و سيطرت اللغة الواصفة على المشهد و إن كنا لا نعدم لغة تدين كل شيء بقدرة كبيرة على امتصاص الغضب و الحقد، و لا يمنع من أن اللغة كانت لغة إدانة لكل إنسان مستغل لأخيه الإنسان. ما أجمل أن تسهم الرواية في بناء الإنسان الجديد.