مسح بعينيه المكان أولاً، ثم أَخرج عباءة فضفاضة من حقيبته، تتصارع ألوانها الفاقعة مع بعضها البعض، قذفها إلى أعلى، ودار حول نفسه، حتى سقطت على رأسه، وأخفتْ ملامحه تمامًا. لاحتْ دُمية على شكل أنثى في يده اليمنى، وفي اليسرى دُمية أخرى تمثل ذكرًا، وانشطر صوتهُ مُّوزعًا بينهما، وما ينفك أن يحولهما إلى مطربٍ يُغني بألحان فريد الأطرش، ومطربة تؤدي صوت شادية، مُتشاركين في "دويتو" غنائي. عندما انتهى من أداء "نمرته"، خرج من تحت هذه الحجب، وطاف بوعاء صغير، يجمع فيه الهبات. كُنا جالسين في مقهى البستان؛ صلاح لم يتركه وحاله كما فعلنا، دنا منه. كان على غير ما عهدناه، حليق الذقن، يرتدي قميصًا جديدًا، على وجهه مسحة من الراحة. قطعًا سأله عن اسمه، ورقم هاتفه، مُوهمًا إياه أنه صحافيُّ أو مُعدّ برامج "تلفزيونية"، وأنه سوف يتصل به قريبًا؛ ليسجل معه لقاء مكافأة مالية.عاد صلاح إلى مقعدهِ، وهو يضغط على أزرار "الموبايل"، مُتظاهرًا أنه منشغل بتخزين الرقم، وسرعان ما داعب الطفلة الصغيرة التي تجلس مع أمها. كان العم نجيب يجلس إلينا، يحكي عن ذكرياته في هذا المكان، وعن تاريخ من يرتادونه. ابتسم لنا وهو يقول:show، ثم أردف: مخادع؛ فقد رغب في إظهار نفسه كشابٍ genti أمام طليقته، وابنته الصغيرة منها، مُبديًا لهما أنه إنسان. للحظة حسبتُ نفسي مكان الأراجوز، أضع في فمي"الزمارة" التي أؤتمنتُ عليها، أطلقُ صوتًا يدفع إلى الضحك أو آتي بحركة "بهلوانية" تُسَرِّي عن المحزونين.