لعل الكثير من الأجيال الجديدة لا تذكر هذا الاسم الثقافي الأدبي، الذي كان من الأسماء الأدبية ، لجيل ما بعد الاستقلال، حيث أنه بدأ الكتابة الأدبية في ستينيات القرن الماضي، وقد كتب في معظم الأجناس الأدبية، وكان له الحضور المميز على منابر المشهد الثقافي الجزائري: " الشعب" ، " آمال" ، " المجاهد الأسبوعي" الخ.. لقد رسخ اسمه على الساحة الثقافية في بداية الاستقلال، حتى الثمانينات.. وقد عرف بكتابة القصة القصيرة، القصيدة الشعرية.. كان غزير الإنتاج رغم بعده عن مدينة الجزائر العاصمة التي تتمركز فيها جل المجلات والجرائد، يقول عنه الدكتور محي الدين عميمور :« ...ولست أعتقد أن عبد الله بن الضيف وهو على بعد 600 كيلو متر من العاصمة، قد استطاع العثور على" أكتاف" لكي ينشر إنتاجه..ليست هناك مجلة، أو جريدة ترفض إنتاج عبد الله، لسبب بسيط...لأن إنتاجه يفرض نفسه بنفسه" ( انطباعات ج1ص: 140) اشتغل ابن الضيف في سلك التربية والتعليم/ معلما ومفتشا حتى أحيل على الحياة العملي،. تمتاز قصصه بواقعية اجتماعية قريبة من المجتمع واهتماماته المعيشية واليومية بلغة فيها الكثير من الترميز، والشحن اللغوي العفوي الذي يشير إلى الظاهرة ومتوالياتها دون إسفاف، أو تقعر لغوي ممجوج. في أقاصيص عبد الله بن الضيف نلتقط ذلك الشجن الغائر في بنيات النص، وتراكيب الجملة وهي تتأسس، وتنبني على نحو من التمحل النسقي ،الذي يلهب اللغة ويؤسس لعبارة بسيطة ومقوالة وقريبة من نسج الواقع، وسحره الذي يقول من خلاله القاص ما يعتمل في وجدانه، وما تبوح به اللحظة الإبداعية في تحولاتها، وإبراقاتها المشعة برؤى اللغة ونزف الذات المبدعة، في سيرها الخطي نحو تفجير القول، و ترسيم المقول، في محاولة لإخراج القاص من عزلته .. أقدم فرع عنابة لاتحاد الكتاب الجزائريين على طبع المجموعة الأولى للقاص المعنونة ب« فلة " ، كما قام الفرع بتكريمه، والاحتفاء به بعد طول غياب، وعدم التفات من طرف المصالح الثقافية على مستوى ولاية عنابة.. هي ظاهرة مكرسة في المشهد الثقافي والكتابي في عنابة، ولا يلتفت للمبدع إلا في حالات يكون الهدف منها خدمة مصالحهم وفقط، لكن تصرفات بعض الأشخاص مع القاص بعد عودته جعلته مرة أخرى يعود إلى عزلته في مدينة الحجار.. و قد أشاد الكثير من النقاد بتجربة عبد الله بن الضيف القصصية، وهنا نورد رأي الدكتور الراحل " محمد مصايف" حسب ما أورده المرحوم " شريبط أحمد شريبط" في مقدمة المجموعة القصصية وذلك في كتاب مصايف" دراسات في النقد والأدب ص: (145- 149 (، قارن فيه بين مسرحية الكاتب الفرنسي جان بول سارتر " الذباب" وبين قصة " بائع الذباب" لعبد الله بن الضيف ، ويقول:« وإن كان للأثرين خط يكاد يكون متساويا من الرمز و الإيحاء، فالذباب إن كان يرمز في مسرحية " سارتر": إلى هذه القدرة الإلهية الغيبية التي تسير العالم، وتفرض على الإنسان مصيرا معينا ، فإن "الذباب" في قصة ابن الضيف يشير إلى حالة نفسية تعيشها طبقة من المواطنين، طبقة كُتب لها أن تعيش على التسول، أن ترضى بحال الكفاف، والجهل والمرض والفرق الواضح بين الأثرين، إنما يكمن في موقف كل من البطلين، موقف" أورست" بطل سارتر من سلطة الآلهة المتمثلة في الذباب، وموقف" عزام الفهدي" بطل ابن الضيف من حالة الشقاء، والاستكانة والرتابة التي يرمز إليها الذباب"، وأذكر أن هذه القصة قد نشرت بملحق " الشعب الثقافي"، وكانت مرفقة برسم توضيحي للرسام هارون ، أملي الكبير أن يخرج القاص عبد الله بن الضيف من عزلته ليشاركنا الحياة بحلوها ومرّها، بصخبها ومرحها فالحياة لا تعاش إلا مرة واحدة.. وعلى قول الرائع محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. فلا الموج مر، ولا العصافير أدركها الوهن.. ولا المرايا عكست ظل الموج.. ولا النوارس حوّمت على باب البحر.. لينصرف الغزاة إلى أفق الغرابة، وهم يجرون أسمال الهزيمة والهوان.. عد يا صديقي إلى شكل الكتابة، أو إلى لون السحابة، وهي ترقص ذيلها الناري على وتر الحياة.. فالأوباش تكاثروا على وهج الكتابة، ولوثوا أفقها الزاهي بلغو كلامهم، وسقط اللغة التي تزوّجتها في عرس الغابة ، وهي تمنحك وسام البلاغة وقاموس المعنى الذي في كتاب الوقت، وهو يرمم سقف الكلام الذي مر إلى مدى في نثر البغاث.. ".