لستُ أدري لماذا كلّما يحلّ الشهر الفضيل أستذكر نصوصا ومسرحيات ، مثل : محمّد (ص ) لتوفيق الحكيم ، والحلاّج لصلاح عبد الصبور، والمولد و الهجرة لعبد الرحمن الجيلالي، وغيرها من المسرحيات الدينية والتاريخية العديدة، التي خطّتها أَنامل رجالاتنا ، الذين أسهموا بقسط كبير في إثراء ثقافتنا وفنوننا بكتاباتهم، و استقرّت في ذاكرتنا العاطفية رغمًا عنّا، حتى أصبحت مراجعتها ومطالعتها في المناسبات الدينية مثل رمضان والمولد النبوي الشريف ويوم عاشوراء، طقسا ثابتا متواترا لدينا !؟.. و ذلك رغمَ أنّ إبداعات و دراسات و أفكار و آراء و جهود أغلب هؤلاء الأفذاذ ظلّت إلى وقت قريب غير معلومة لدى قرّائنا، خاصة لدى النّاشئة ، الذين ليس ذنبهم أنّهم يجهلونها ، ولكن بات من واجبهم اليوم ، في عصر وسائل التواصل و وسائط المعرفة المتاحة ، أن يبحثوا بشغف ونَهم في تراجم شخصياتنا لاسيما الجزائرية منها، التي أثْرت وأثّرت - بقسط وافر- في الحقل الثقافي والفني المحلّي، وحتّى خارج جغرافيا الهُنا .. وفي هذا السياق، تمثّل كتابات العلامة عبد الرحمن الجيلالي، في مجال الآداب والفنون، واحدة من أرقى الجهود التي قلّما نلتفت إليها، في غمرة انشغالنا واشتغالنا بما هو أدنى بكثير ممّا جادت به قريحة هذا الموسوعي الفذّ، خصوصا في مِضمارنا، مضمار فن المسرح، حيث يكاد هذا المبدع أن ينفرد ويتميّز بتأليف مسرحية تصنّف في خانة الدراما الدينية و التاريخية .. و إنّ أعمال الفكر وانعدام النظر في شتّى الأعمال المسرحية التّي خطّها الراحل، لَتُنبي عن معرفة عميقة بفن المسرح و أحكامه ، وعن إحكامه الدقيق بتلابيب الكتابة المسرحية، وأَحسبُني لا أغالي إذا قلت أنّ ما خلّفه كاتبنا من مسرحيات، يجعله من قلّة الجزائريين الذين كتبوا في نوع مسرحي لم يُطاوله فيه أحد إلاّ حديثا، وهو دراما السِير، وهي الكتابة عن الأعلام و الأبطال والعظماء ، مثل النبيّ محمّد ( ص )، و إبراهيم الخليل عليه السلام ، وملِكة سَبَأ ، كما أنّه كتب مسرحية في ذكرى وفاة الغزالي،وأخرى عن ابن خلدون في الجزائر، ناهيكَ عن اَراء و دراسات نوعية في التصوير والموسيقى وفن العمارة و الآثار والتراث ومختلف الفنون .. إنّ ما يجتذبني فعلا في كلّ مناسبة إلى مبدَعات الشيخ عبد الرحمن الجيلالي هو أصالتها ، وتعبيرها بقوّة عن انتمائها الأصيل لهذا المِصر العريق ، المُمتد الجذور في بَطن التاريخ ، انتماء أمازيغي عربي إسلامي خالص ، جسّده الشيخ الراحل في تأليفه التاريخية و الدينية و الأدبية و المسرحية ، إيماناً منه بأهمية الكتابة النوعية في ترسيخ هذا الشعور المُواطَني لدى النّشءِ، وهو الهدف الذي عاش الرجل و كرّس حياته لأجله ، من خلال دروسه و أبحاثه و برامجه الإذاعية و التَلفزية، و كتاباته المتنوعة الكثيرة في ميادين الحياة و الدين .. رحم اللّه الشيخ المؤرّخ الأديب المثقّف ، الذي خَصّ صُنوف الأدب و المسرح و ضروب فنية أخرى بتأليف تستوقفنا ، قرّاء و باحثين ، مُطرقين متسائلين إزَاءها !؟، و تشدّنا إليها بقوّة ، كلّما وقفنا معها على سبيل المُعاينة والمراجعة ، أوْ لغاية المتعة و الإستئناس.