- هل التركيبة الجديدة للبرلمان الحالي تتشابه مع عُهد برلمانية سابقة ؟ أم ثمة ما يميزها ؟ ^ جاءت الانتخابات التشريعية لجوان الحالي في سياق يختلف عن الانتخابات الماضية ، هناك متغيّر وطني أساسي و متغيّرات إقليمية ، المتغيّر الأساسي هو الحراك الذي انطلق في فبراير 2019 و كان بمثابة المحرّك الأساسي و الدافع للسلطة السياسية لإجراء كثير من التغييرات و الانتخابات الحالية - دعينا نقول - أنّها جانب من المخرجات التي أرادت السلطة السياسية أن تستجيب بها ( أمّا سلبا أو إيجابا ) و حقيقة شئنا أم أبينا المحطة الحالية هي محطّة مختلَف فيها ، الدليل على ذلك الأرقام التي ثبّتها المجلس الدستوري الأربعاء ، و أنّ نسبة المشاركة بلغت 23 بالمائة بعد أن عدّل ما صرّحت به السلطة الوطنية للانتخابات التي أعطت 30.20 بالمائة في الحقيقة 23 بالمائة نسبة لا تعطي الانطباع بانّ هناك اهتمام شعبي بهذه الانتخابات ، لا نقول مقاطعة بل لامبالاة و عدم الاكتراث ، بعد ذلك عقّبت السلطة السياسية و دحرجت على عدّة مسارات منها الانتخابات الرئاسية و تلاها تعديل الدستور و بعده تعديل قانون الانتخابات و الاستحقاق التشريعي .. بالنسبة للتركيبة البرلمانية وفقا لما أفرزته الانتخابات يجعلنا أمام فسيفساء قد تتشابه مع العهدتين البرلمانيتين السابقتين ، باعتبار أنّ الأغلبية كانت واضحة بالنسبة للأفلان و الارندي اللذين كان بوسعهما تشكيل تحالف رئاسي و عليه عدم بلوغ النصاب و بالتالي الخمسة الأوائل لم يستطيعوا أن يستوفوا النصاب منفردين و الوصول إلى الأغلبية النسبية و هي 204 مقاعد ، و عليه فيه حرج فلا طيف حزبي يستطيع أن يلعب ورقة ضغط على السلطة السياسية . و ثمّة اختلافات بالنسبة للتشكيلات الحزبية على مستوى تشكيل الكتل المعهودة الوطنية الإسلامية ، حتّى هذه مجتمعة قد تشكّل 146 مقعدا ، متفرقة أو مجتمعة و بالتالي ليس هناك الكثير من التغيّرات و ليست هناك أيّ مفاجأة و حتّى الرقم الذي قدّمه رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمّد شرفي بعلو كعب القوائم الحرّة ب 87 مقعدا ، حتّى هذا الرقم بقدر ما هوّ نتيجة طبيعية لقانون الانتخابات الذي كان يحدث كثيرا من الامتيازات للشباب و كذلك الدعم اللوجيستي المتعلّق بتخفيض نسب جمع التوقيعات كل هذا جعل كثيرا من الشباب يرغبون في تشكيل هذه القوائم و ليس هناك تغيير أو مفاجأة و الأمر الأساسي أنّ السلطة السياسية تكون في أريحية من أمرها لتشكيل الحكومة وفق الرؤية الأولى المتعلّقة بوزير أوّل و ليس رئيس حكومة . ما هي الأدوار المنوطة بالبرلمان المقبل في ظل تركيبة نيابية تفتقد للأغلبية ؟ ^ من حيث الإطار القانوني فالبرلمان له مهمتان أساسيان : التشريع و الرقابة على أداء الحكومة ، بالنّظر إلى العهد البرلمانية السابقة سجّلنا تراجعا كبيرا في مسألة التشريع فاقتراح القوانين كان من طرف الجهاز التنفيذي و كان هذا أمرا معيبا باعتبار البرلمان كان مسجلا لا أكثر ، حتّى وظيفة الرقابة على إعمال الحكومة لم تكن بالشكل المطلوب ، ما يراد من البرلمان اليوم هو تجسيد عملية الثقة بين الشعب و ممثله و محاولة الدفع نحو الهدف الأساسي الذي يشغل بال كل جزائري و هي التنمية الوطنية و على رأسها الاقتصادية ، إيجاد مساهمة بآليات تشريعية لخلق فرص الاستثمار و الدفع بالحكومة سواء عن طريق طرح أسئلة أو تسهيلات لتشريعية و قانونية و يستحسن أن يكون هنا جو لإشاعة ما يسمّى بالمهادنة السياسية حتى تقابله مهادنة اجتماعية ، و محاولة لعب دور المؤثر على السلطة للوفاء بالتزاماتها لفتح قنوات الحوار و الأكثر من ذلك أنّ البرلمان مطالب أن يلعب دوره الرقابي كسلطة مستقلّة تعبّر على طبيعة الأحزاب و اعتقد أنّه بالنظر إلى أنّ عديد البرلمانيين هم شباب أقل من الأربعين و أكثر من 45 بالمائة جامعّيون سيعطي انطباعا أنّ طبيعة المناقشات و الاقتراحات سوف يكون لها شيء من القبول لدى المجتمع . - هناك مؤشرات تؤكد على تحالف ممكن بين أحزاب تعودت على دعم البرنامج الرئاسي هل يمكنها أن تستقطب القوائم المستقلة ؟ ^ التحالف ممكن بطبيعة الحال مهما يكن لأنّه لا يمكن لأي تشكيلة حزبية اليوم أن تشكل الحكومة و رئيس الجمهورية حر في أن يختار فريقه إمّا من التشكيلات الحزبية الموجودة أو من رجال تكنوقراطيين إذ بإمكانه تعيين وزير أوّل من خارج الأحزاب التي توجد في البرلمان ، أمّ القوائم المستقلة فهناك دفع لتكون القوائم المستقلة في الصدارة و هذا ما أكّد عليه الوزراء في خرجاتهم قبل الحملة الانتخابية و محاولة جعل من المجتمع المدني واجهة وازنة تؤثر على الحياة السياسية و تجسيد هناك ربما نيّة من أجل أن يكون للمستقليين دورا في العملية السياسية و عدد المستقلين الفائزين ّ من دور في هذه العملية . التحالفات ربما هناك شيء -ليس من الضبابية - و لكن من عدم الانسياق نحو نفس التجربة التي حدثت مع التحالف الرئاسي السابق ثمّة رغبة في فتح التحالف بين مختلف التشكيلات و عدم الاتكال على أحزاب التحالف المعروفة سابقا و تفادي الضغوطات الاجتماعية و السياسية التي يمكن أن تنجرّ على ذلك و القوائم المستقلة اليوم ليست نسيجا واحد و لكن ثمّة ما نسمعه عبر بعض الوسائل أنّ كثيرا من القوائم تبدي رغبتها في الانضمام إلى برنامج الرئيس ما ينبئ باحتمال اللجوء إلى التعبير عن رغبة المستقلين في ممارسة دور في الحياة السياسية و الأيام المقبلة جديرة بإنبائنا بما يمكن أن يحدث. - ما موقع المعارضة داخل هذا البرلمان ؟ ^ لا بد أن نذكر أحزابا موسومة بالمعارضة كجبهة القوى الاشتراكية و التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية لم تشارك في هذا الاستحقاق ، إضافة على هذا مثلا حركة مجتمع السلم ، إذا أخذنا بعين الاعتبار معارضتها لسياسات الحكومة خلال العهد السابقة أعتقد أنّ عدم حيازتها على أغلبية مريحة لا يمكن لها من حيث التشريع أن تلعب دورا معارضا بالمعنى التقليدي الذي يجعلها قوّة دافعة لكن قوتها في تكريس محاولة خلق جو للتعبير عن رأي الآخر و الوجهة الأخرى و اعتقد أن عدد المقاعد الموجودة في البرلمان يمكنها من لعب هذا الدور ، لكن مطلقا لا يمكن الجزم بهذا لأنّه أكيد هناك تنوّع و تعدد و تغيّر في الخطاب السياسي بالنسبة لبعض الأحزاب و علينا أن ننتظر دعوة الرئيس لهذه الأحزاب للتشاور من أجل تشكيل الحكومة و عليه لا يمكن الحديث عن معارضة في البرلمان الحالي إلّا بعد أن نستوفي الخطابات السياسية التي تغيّرت خلال الفترة السابقة بالتوازي مع انتخابات 12 جوان. - هل يمكن للأحرار الالتفاف حول مشروع ما ( تحالف في ما بينها لدعم السلطة من داخل البرلمان أو إعلان تشكيل معارضة ) خاصة أن وعودها بالتغيير كانت كثيرة خلال الحملة ؟ ^ قلتُ أنّ هناك اهتمام بنتائج القوائم المستقلة بإحرازها للمرتبة الثانية و هذا ما يعزّز طرح الإعلاء من شانها لكن لابد من التنويه أننا لا يمكننا أن نعلّق لا بالإيجاب و لا بالسلب على هذه التصريحات ، كل ما هناك رغبة في عدم إعطاء دور قيادي للأحزاب التقليدية ، هناك تعويل على المستقلين ، على التكنوقراط ، بطبيعة الحال فالمستقلون ليسوا كتلة واحدة و مشاربهم متعدّدة ، بعضهم كان متحزبا ثم شكل قائمة حرّة ، بعضهم لم تكن له في العمل السياسي ، بعضهم من الشباب الذين أرادوا إعطاء دفع و تكريس لعملية التغيير ، فنحن أمام كوكتيل من هذه التشكيلات التي لا تصنع جسدا واحدا و نترك الأحداث المتسارعة لتعطينا الجديد ، و التغيير مطلب اجتماعي قبل أن يكون سياسيا و لكن الآن نحن بصدد أحزاب سياسية مقابل مستقلين لا يمكن أن نعوّل على طبيعة اللون السياسي أو الرؤية التي و الأكيد أن الأيام تكرّس طبيعة المشهد السياسي - هل المشهد السياسي بعد هذه النتائج مقبل على ديناميكية أم باق في رتابته ؟ ^ نظرا للنتائج المتواضعة لكل الأحزاب ثمّة ما ينبئ أنّ هناك ثقل في التقدم إلى الأمام ، هناك خطوات لكن متثاقلة و الأرقام المقدّمة و طبيعة المشاركة الشعبية تؤكد لنا لامبالاة بالحدث السياسي و لا مجاراة لما وقع سواء شعبيا أو اجتماعيا ، رغم ذلك السلطة ماضية في تجسيد محطات الإصلاحات التي وعدت بها و تكون الانتخابات المحلية آخر محطات الاستحقاقات و الديناميكية ليست بهذا الحجم و لكن هناك رغبة في التغيير و إحداث شيء ما مستقبلا و تحقيق طموحات الجزائريين و لكن المؤشرات الحالية لا تنبؤ بالديناميكية بقدر ما هناك وعود و مجموعة من السياسات لذلك ليبقى في سوف يجسده الواقع بعد ظهور الحكومة المقبلة فهي من تعطي الانطباع إذا سوف نعيش ديناميكية . - من سيشكل الحكومة ؟ الأحزاب الفائزة بتحالفها أم رئيس الجمهورية بتعيين وزير أوّل في ظل عدم التوصل إلى أغلبية ؟ ^ الدستور واضح في هذا المجال من خلال المواد 103 ، 104 ، 105 و 106 فالمادة 103 تشير إلى أنّ يقود الحكومة وزير أوّل في حال أفرزت الانتخابات التشريعية أغلبية رئاسية أو يعود الأمر إلى رئيس حكومة في حال أفرز الاستحقاق أغلبية برلمانية و نحن نعلم أنّ ليس هناك أغلبية برلمانية فلا تشكيلة حزبية استحوذت على الأغلبية أو أغلبية نسبية ( 204 مقاعد ) الآن الرئيس يختار وزيرا أوّلا الذي يعبّر عن برنامجه و يعرضه على البرلمان للمناقشة ، و نبقى في نفس المتلازمة التي تعبّر عن تجانس بين الجهاز الحكومي الذي يرأسه الوزير الأول و رئيس الجمهورية باعتباره حاملا لهذا البرنامج و تقف كل الأحزاب على قدم المساواة في المطالبة بحصة معيّنة من الحقائب . - و ما هي أهم التحديات التي تنتظر الجهازَ التنفيذي المقبل ؟ ^ العديد من التحديات في انتظار الحكومة منها معالجة الاختلالات التي انجرّت عن أزمة كورونا و ضرورة تطعيم الجزائريين بالمصل المضاد للوباء ، أمامنا تحديات في كل القطاعات من أجل مواكبة كل المؤسسات و القطاعات مع هذا المتغيّر الذي يعيش عامه الثاني و العمل على تنظيم دخول اجتماعي آمن . التحدي الأهم اقتصادي بامتياز فنحن نعيش أزمة متراكمة ، أزمة التشغيل ، لابد من حلحلة المشاكل العالقة في القطاع الصناعي والتحدي الثالث ناتج عن طبيعة المتغيّرات الإقليمية هناك انفلات أمني في ليبيا و شمال مالي و النيجر فحدودنا الجنوبية تعيش على لهب انتشار السلاح و الجماعات الإرهابية و غسيل الأموال و بالتالي التحدي الأمني خطير ، ما يجعل من الأهمية بمكان إيجاد استقرار سياسي و حكومي يضطلع بإيجاد مخرجات لهذه الأزمات و التنسيق مع المؤسسات الفاعلة ، أقصد بها العسكرية و باقي الفواعل الاجتماعيين و نحن بحاجة ماسة إلى جهاز تنفيذي مستقر متشكّل من جميع الأطياف السياسية و لابد من تجسيد بعض الطموحات و الآمال و الوعود التي انجرّت عن الحراك الشعبي في تكريس حرية التعبير و إطلاق المعتقليين و تشكيل الأحزاب و جمعيات المجتمع المدني و تثبيت الثقة بين المواطن و الحكومة الجديدة .