جاءت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 جوان 2021 موافقة تماماً لتكهنات المتابعين للشأن السياسي في البلاد ، حيث لم تسفر عن حصول أغلبية برلمانية ولا أغلبية رئاسية وحصد حزب جبهة التحرير الوطني 105 مقاعد بفارق معتبر عن القوائم الحرة التي حازت على 78 مقعداً، بينما بلغت حركة مجتمع السلم المرتبة الثالثة بحصولها على 64 مقعداً، وجاء حزب التجمع الوطني الديمقراطي في المركز الرابع ب 57 مقعداً، ثمّ جبهة المستقبل ب 48 مقعداً وحركة البناء الوطني ب 40 مقعداً، في حين تحصلت بقية الأحزاب الأخرى (جبهة الحكم الراشد). صوت الشعب، جبهة العدالة والتنمية، جبهة الجزائر الجديدة، الحرية والعدالة، الفجر الجديد، الكرامة، جيل جديد) على 14 مقعداً فقط. وبخصوص عدد المقاعد المتحصل عليها من قبل الشباب فقد وصلت إلى 136 مقعدا، فيما عاد 35 مقعداً للعنصر النسوي ، و 274 مقعداً لأصحاب المستوى الجامعي. تشكيلة المجلس الشعبي الوطني الذي يعد الغرفة السفلى في البرلمان الجزائري المعروف بنظام الغرفتين أفرزت أقلية تابعة للجناح الرئاسي وأغلبية غير تابعة لكنّها مرتبطة بدوائر خفية داخل النظام السياسي الجزائري (الأفلان، الأرندي، حمس، المستقبل، البناء)، وعلى هذا الأساس يجد الرئيس نفسه مضطراً لإجراء مشاورات مع التشكيلات السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية من أجل تشكيل حكومة توافق وطني، وتتم داخل سرايا النظام بين الجناح الرئاسي وأجنحة أخرى تمثل مجتمعة السلطة الفعلية، والهدف سيكون إما إيجاد شخصية توافقية (توافق سلطوي) تُعيّن كوزير ، و في حالة عدم التوافق سيتم تعيين رئيس حكومة كشخصية منافسة للرئيس تؤدي إلى تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، و تنص المادة 115 من الدستور الجزائري على أن يراقب البرلمان عمل الحكومة و يمارس المجلس الشعبي الوطني رقابته حسب نص المادتين 161 و 162 من ذات الدستور. و قد أقر الدستور الجزائري المصادق عليه في الفاتح من نوفمبر 2020 في مادته 103 أنّه في حالة فوز الأغلبية البرلمانية يتم تعيين رئيس حكومة يكلف بتشكيل الجهاز التنفيذي وإعداد برنامج الأغلبية البرلمانية وهنا يطرح التساؤل حول موقع برنامج الرئيس أليس هناك تناقض ؟ مادام أنّ الشعب انتخب الرئيس لتطبيق برنامجه ثمّ تأتي أغلبية برلمانية ببرنامج خاص بها ألا يمكن أن يؤدي هذا إلى تنافس بين الرئيس ورئيس الحكومة؟ يظهر جلياً هنا أنّ مسألة الأغلبية الرئاسية والأغلبية البرلمانية تحمل في طياتها مسائل لابد من توضيحها من أجل الفهم. هذا ناهيك أنّ الدستور في مادته 105 لم يحدد معنى الأغلبية الرئاسية هل هي حزب الرئيس أم يمكن للأحزاب التي تعلن تأييدها للرئيس أن تشكل أغلبية رئاسية ؟ المواد لم تحدد المعنى الحقيقي للأغلبية التمازج بين الأحرار و الأحزاب وارد و في الوضع الحالي رئيس الجمهورية ليس لديه حزب مؤيد، بينما بعض الأحرار أعلنت تأييده لكنّها لا تشكّل في المطلق أغلبية رئاسية، بمعنى أنّ الأغلبية في البرلمان ليست لها ، كما أنّ الدستور تحدث عن الأغلبية البرلمانية لتعيين رئيس الحكومة لكنّه لم يشترط بصريح العبارة أن تكون أغلبية مطلقة، وبالتالي وفقا للنتائج التي أكدها المجلس الدستوري، فإنّ حزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) هو صاحب الأغلبية البرلمانية مهما كان حجمها ، وعليه فإنّ تكليف شخصية من حزب الآفلان لتشكيل حكومة في أجل 30 يوما وارد ، وما دام أنّه لا يوجد أي حزب أو تكتل سياسي يملك أغلبية مطلقة وبالنتيجة ستكون الحكومة القادمة حكومة ائتلافية من تشكيلات متباينة (مزيج بين الأحزاب والأحرار). بموجب المادة 105 من الدستور إذا أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية يعيّن رئيس الجمهورية وزيراً أول ويكلفه باقتراح تشكيل الحكومة وإعداد مخطط عمل لتطبيق البرنامج الرئاسي، وفي هذه الحالة نكون أمام تسمية «الوزير الأول» الذي له صلاحيات محدودة تتمثل في عملية التنسيق بين الوزراء ورئيس البلاد ، وترؤس اجتماعات مجلس الحكومة التي تناقش و تصادق و تطبّق برنامج رئيس الجمهورية، ولا يحق لها طرح برنامج خاص بها ، ولا يمكن للوزير الأول تعيين أو إقالة الوزراء «إلا بالتشاور مع رئيس الجمهورية» الذي يقترح أيضا أسماء تقود وزارات الحكومة. و بموجب المادة 110 من الدستور، إذا أسفرت الانتخابات التشريعية على أغلبية برلمانية غير الأغلبية الرئاسية يعيّن رئيس الجمهورية رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية، ويكون في هذه الحالة «رئيس الحكومة» منصبا يتقاسم فيه النائب المعيّن مع رئيس البلاد تسيير شؤون البلاد ، ويعطي الدستور الصلاحية الكاملة لرئيس الحكومة بتعيين جميع الوزراء باستثناء الوزارات السيادية التي تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي: الدفاع والخارجية والداخلية والمالية ، كما تقدم الحكومة برنامج عمل خاص بها. تبقى هناك عدّة أسئلة مطروحة حول: مدى وجود تنافس داخل أنساق النظام حول الأغلبية في المجلس الشعبي الوطني بمعنى آخر هل هناك جناح عمل على إفشال فوز الأحرار بالأغلبية داخل المجلس الشعبي الوطني ؟ في حالة تكليف الأفلان بتشكيل الحكومة هل سينجح في ذلك؟ وهل سيتم إعاقته من طرف المنافسين أم سيتم العودة إلى صيغة التحالف الرئاسي الذي يعد بمثابة ائتلاف حزبي ساد منذ سنة 2004 إلى غاية ؟ بناءً على الخارطة السياسية التي جاءت في شكل فسيفساء أنتجتها الانتخابات التشريعية، فإنّ لون الحكومة القادمة سوف يتحدد انطلاقاً من التحالفات بين التيارات الحزبية التي يمكنها بلوغ الأغلبية ب 205 مقاعد وفي الغالب ستكون أغلبية رئاسية داعمة لبرنامج رئيس الجمهورية من أجل الظفر بحقائب وزارية ضمن الحكومة الجديدة.