لم نكن نعلم أنها ابتسامة الوداع يا فتيحة ، عندما زرناك في ثاني يوم عيد ولم نكن ندرك أنها اللحظات الأخيرة وأنك تستعد ين للرحيل يا "مراة " كما كان يلقبك بومدين رحمه الله وانك ستغادرين هذه الحياة في نفس الشهر وفي المناسبة ذاتها مثلك مثل شريكك في مهنة المتاعب . عندما طلبت مديرة التحرير في اجتماع يوم الأربعاء أن يتنقل احد الصحفيين إلى مستشفى النجمة للوقوف على معاناة مرضى كورونا بحثا عن جرعة اوكجسين ، لم أتردد لحظة عن واجبي وأداء مهمتي، لا ادري لماذا ؟وكأن شيء بداخلي كان يناديني ويدفعني لرؤية فتيحة لأخر مرة قبل أن ترحل عنا . عندما صعدنا إلى الطابق الثاني أين كانت ترقد زميلتنا ، كان همنا الوحيد أنا ورفيقي المصور رياض رؤية فتيحة قبل أداء مهمتنا الرسمية الذي استطاع أن يخطف صورا لم يسبق لأحد أن قام بها ، لأن ن مشاعر الصداقة وسنوات العمل كانت أقوى بكثير من الواجب ورحنا نبحث عنها من غرفة لأخرى إلى أن دلّنا ابنها سفيان عن حجرتها . لا نستطيع للأسف أن نوصف تلك اللحظات المعدودة وفرحتها برؤيتنا وكأنها تعلم أننا لن نلتقي مرة أخرى في هذه الحياة ولا يمكن أن ننسى نظراتها وهي تودعنا ،عندما طلبنا منها أن تستضيفنا في ببيتها العائلي بعد شفائها لنقضي معا بعض الوقت كما عودتنا فتيحة بن شيخ . لم نود أن نطيل عليها كثيرا وخرجنا من غرفتها بعدما اتفقنا أن نلتقي في موعد أخر وفي ظروف أحسن بكثير من ذلك الوضع ، أملا منا أنها ستتعافى بعدما خذلتنا ابتسامة الموت وسرق منا الفيروس اللعين احن واطيب قلب ، زميلة لم تردد طيلة مشوارها المهني في الاستماع لمشاكل الأصدقاء محاولة دوما معالجتها الخلافات بأقل خسائر . تركنا الغرفة وقصدنا ابنها "ميمو" الذي كان ينتظر برواق المصلحة ونظراته كلها خوف وقلق من الغد ، الخوف من فقدان الأم الغالية وحاولنا بدورنا أن نزرع فيه بصيص الأمل على أساس أنها قد استفاقت من الغيبوبة لكن ذلك لم يكن سوى مجرد سراب ووهم . بعد مرور قرابة 48 ساعة على زيارتنا لزميلتنا ،يرن الهاتف هذه المرة وفي صبيحة يوم الجمعة وكنت أرجو الله أن لا يكون نبأ وفاتك يا فتيحة صحيحا وكم كانت خيبة أملي عندما أكدت لي الخبر ليلى ، ففي تلك اللحظة بالذات علمت أنها ابتسامة الوداع فقط وراحة الموت كانت تناديها .