وكنّا جائعين ... بالمعنى الواضح والجليّ والمبين ... كنت جائعة إلى طبق حساء ، ينتظرني عند المنعطف الأوّل من البابْ . وكنت جائعا إلى رائحة شواء كانت تملأ جنبات الشارع الذي ظلّ يجمعنا ثم يفرّقنا على عجل . يُضحكنا ... وبترفّقٍ مُحنّك ولذيذٍ ظلّ يُؤجل البكاءْ أو ... لأننا مع الوقت ظللنا نهذّب طرائقنا في البكاء . فلَإنْ تبتلعَ في لحظة ، ملحا أجاجا بصمت ، وتمضي ... فذاك هو البكاءْ . وحين تلتفت يمينا نحو نافذة موصدة في وجهك ثم تواصل سيرك ، أو سير سيارتك في صمت فذاك هو البكاء . وحدث أن جعنا في لحظة واحدة .. في اللحظات الحاسمة يختار كل منا ما يناسبه من كيفيات وكان أن اخترت أن تسد جوعك رفقة ألفتك . كنت جائعا إلى ألفتك . كنت مشدودا بقوة جذب ، جعلت الوقت يمرّ سريعا وخاطفا وحادا وكنت ضاجّة بألْفتي .....ومع ذلك سِرنا ... لَكنْ .. كلٌ في سبيلْ . ..... هل افترقنا حينَها لحظةً ؟ أم دهرَا ؟ ..... ذلك أنه حين تفضحنا طرائقنا المختلفة .. فذاك فراق أيضا . حين لا نبكي .. بكلّ بساطة وتفضحنا طرائقنا المهذّبة في البكاءْ فذاك هو الفراق أيضا . ...... اخترت أن تَسدَّ جوعك عند المنعطف الثاني من بابك ، وسط أوانيك المرتبة . وعند المنعطف الأول الذي لم أختره من بابي تسنّى لي أن أسُدَّ جُوعي على مهل : طبق من السلطة الباردة ثمَّ ما تيسر من آليات التمثيل والتجميع والتحايل على الصورة القاتمة .. ثمَّ ...وبألفة مني أيضا . عدت أنظر صوب هاتفي هذا الذي يحمل الأشخاص من أصواتهم ويُعلّقنا على حبل ذبذبات الصوت . .... وعدتُ إلى عتبة ما قبل المنعطف الأول من بابي ورغم أني أعلم أنك كنت قبل قليل بعد المنعطف الثاني من بابك .. نسيت الحشرجة .. ونسيت صمت البكاء ،، وبكاء الصمت . وهرولت ناحية الصوت . ألو .... وكمثل اللحظة الخاطفة بين الميلاد والموت .. كلّمتك .. وجاءك صوتي مرتبا وعاقلا . يسأل عن الأحوال والطريق والأجواء ... ونسيت للحظة ٍ أنّنا حين جعنا سرْنا ...كلٌ في طريقْ ................