كشف الدكتور محمد بلحاج أستاذ في التاريخ بجامعة وهران عن الشرارة الأولى لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 بعين تموشنت و وهران و تلمسان لتعم في ما بعد كل المدن الجزائرية الأخرى قائلا : " إن مظاهرات عين تموشنت و وهران قد سبقت أحداث العاصمة و جاءت بعد أحداث عين تموشنت و هي تعتبر الشرارة الأولى للمظاهرات ، حيث حاول الأوروبيون استعمال الجزائريين لتضخيم العدد حتى يظهروا أمام الجنرال ديغول كقوة و هذا من أجل استعراض العضلات لكن رد فعل جبهة التحرير الوطني كان قويا من خلال تجنيدها لكل الجزائريين الذين رفعوا شعارات مناهضة لاستعمار من أجل نيل استقلال الجزائر، وكان هذا يوم 9 ديسمبر 1960 بعين تموشنت ثم انتقلت الأحداث إلى وهران ، و عندنا مكانان رمزيان في المدينة، المكان الأول هو ساحة الانتصار التي تُسمّى اليوم بساحة عبد المالك رمضان ، وسبب اختيار هذه الساحة هو تواجد مركزين لحزب فرنسي متطرف يُسمّى بجبهة الجزائر الفرنسية " فافا "، وحاول الأوروبيون استقطاب عدد أكبر من الساكنة من وسط مدينة وهران و التي كانت أغلبيتها ساكنة أوروبية مع محاولة تجنيد عدد أكبر من الجزائريين خاصة تلاميذ الثانويات منها ثانوية لطفي التي كانت تسمّى علي شكال ، وثانوية لامورسيار و ثانوية ستفان زال. وفي ذلك اليوم التاريخي حتى لا تضيع من الجزائريين هذه الفرصة خاصة و أنهم شعروا بالخطر و حتى لا تبقى احتكارا على الأوروبيين، فلقد قالوا لابد من رد الفعل ولهذا نقول أن المظاهرات الجزائرية هي مظاهرات مضادة للمظاهرات الأوروبية . أما المكان الرمزي الثاني فهو حي المدينة الجديدة، المكان الذي كان يستقطب أكبر عدد من المتظاهرين المناهضين للأطروحة الأوروبية التي كانت تقول بأن الجزائر فرنسية و كانت ضد الجنرال ديغول في التفاوض ، لذا فإن الجزائريين قد رفعوا شعارات أخرى مناهضة للاستعمار من خلال هتافاتهم " تحيا بن بلة ، تحيا فرحات عباس ، تحيا جبهة التحرير الوطني ، يحيا الاستقلال " وحي الطحطاحة كان يعج بالمتظاهرين الجزائريين لذا سميت بعد الاستقلال بساحة 11 ديسمبر بسبب هذا المنعطف التاريخي للمظاهرات . ونجد أن المظاهرات فيما بعد امتدت إلى أحياء أخرى، و وقعت مشادات عنيفة مع قوات العدو الفرنسي، من حرق للسيارات واستهداف الأوروبيين، ولا ننسى أن جيش العدوّ الفرنسي تدخل و قوات أمنه كذلك تدخلت و لكن كان فيه الكثير من الأحيان انحياز واضح في اللحظة التي كانت تحمي الأوروبيين، وتواجه الجزائريين بالرصاص الحي من جهة أخرى، وهذا ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء في مدينة وهران. و خلال هذا اليوم لم تقتصر المظاهرات على حي الطحطاحة بالمدينة الجديدة بل امتدت الى أحياء أخرى شاركت في هذا اليوم التاريخي المشهود و منها حي "سيتي بوتي" البدر، حي "فيكتور هيغو" ابن سينا، حي" البركي" فلاوسن وكارتو وغيرها من الأحياء الشعبية التي اخترقت حضر التجوال الذي يبدأ من الساعة التاسعة ليلا، و هذه المظاهرات فتحت الطريق أمام الجزائريين في مدن أخرى لمواصلة المظاهرات لأن زيارة الجنرال ديغول كانت لمدة أسبوع بدأها من مدينة تلمسان، عين تموشنت، وهران، البليدة، وادي الفضة، الشلف، تيزي وزو، بجاية، باتنة ، عنابة، سكيكدة الخ . وهنا عرف بعد رجوعه أن الممثل الشرعي للثورة الجزائرية هي جبهة التحرير الوطني وكانت النقطة الفاصلة فيما بعد لفتح مفاوضات ايفيان . ومن سكيكدة خرج بصورة مفادها ان الشعب الجزائري متشبث بالاستقلال و بجبهة التحرير الوطني، كممثل شرعي و وحيد للشعب الجزائري وهكذا بدأت المفاوضات الجدية مع جبهة التحرير لمواصلة المسار الذي أخذ طبعا طريقه الى اتفاقية ايفيان و من ثمّ إلى استقلال الجزائر .