مناسبة اليوم العالمي للغة العربية تزامنت مع الإعلان عن إصلاح التعليم الجامعي , و كل ما نأمله هو ألا يكون الإصلاح المعلن عنه , ذريعة لمزيد من تهميش لغة الضاد في التعليم العالي و خاصة في المواد العلمية التقنية , التي أصبحت بمثابة "مسمار جحا "للتشبث بلغة المستعمر , و التسبب في ضعف مستوى الطلاب الجامعيين الذين يدرسون المراحل الثلاث من التعليم الابتدائي , المتوسط و الثانوي باللغة العربية , و عندما ينتقلون إلى الجامعة يصطدمون باعتماد اللغة الفرنسية , لغة لتدريس المواد التقنية , و كأن اللغة العربية عقيمة في هذا المجال من العلوم . و لا شك أن شعار إبعاد الجامعة عن الصراعات الإيديولوجية الذي تم اعتماده كواجهة للإصلاح المرتقب للتعليم العالي , سيتخذ هو الآخر ذريعة لإسكات أصوات المنادين بتطهير النطاق اللغوي للجزائريين من لغة المستعمر, التي لم تزد البلاد طيلة ستة عقود من الاستقلال إلا تبعية لفرنسا و لغتها, التي يعتبرها بعض المتشبثين بها "غنيمة حرب" -و قد يتجرأون يوما على المطالبة بالاحتفال بها- , بينما ما هي في الواقع إلا ألغام من مخلفات الاستعمار, كرست التبعية الاقتصادية لفرنسا و لغتها على حساب الاقتصاد الوطني و اللغات الرسمية المهمشة في كثير من الدوائر الرسمية و مواقعها الإلكترونية إلى درجة اعتبار البعض ؛الجزائر ضمن الدول المنتمية إلى المنظمة الفرانكفونية ,رغم أنها ليست عضوا فيها , ومع ذلك فهي ما فتئت تخدم اللغة الفرنسية بدون مقابل , و تستثمر في تعليمها أكثر من الدول الفرانكفونية التي تتلقى الدعم الفرنسي لتكريس الفرنسية لديها؟ و لوقف هذا التوجه الذي لم ينتج سوى الانقسامات المضعفة للانسجام الاجتماعي لدى الجزائريين و الجزائريات , ينبغي تركيز الاستثمارات المخصصة لتعليم لغة المستعمر , من أجل تعليم و ترقية اللغة العربية و تمازيغ باعتبارهما اللغتين الرسميتين للجزائر شعبا و دولة, و لا شك أن تراث اللغة العربية ثري بالتجارب الخاصة بجعل لغة الضاد تستوعب كل المصطلحات العلمية و التقنية ,و منها الطريقة التي عالج بها الجيل الأول من المترجمين ,المشاكل التي اعترضتهم في نقل العلوم إلى العربية كمشكلة الكلمات المركبة و التي تجاوزوها بالترجمة الحرفية , ثم تلتها الترجمة بنقل المعنى , فالترجمة الاصطلاحية التي سمحت بظهور لغات جديدة , رياضية , طبية, فيزيائية , ميكانيكية , وغيرها , علما أن معرفة تاريخ العلوم في الحضارة العربية الإسلامية , تمكن الأساتذة و المفتشين من اقتراح تجديد المصطلحات العلمية و تعريبها بصورة سليمة و في نفس الوقت مسايرة كل جديد في أي حقل من الحقول العلمية .