إن الحراك الشعبي المبارك الذي انطلق منذ 3 سنوات خلت , استجابة لنداء جهات مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي , استطاع في ظرف وجيز تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الأحزاب السياسية طيلة ثلاثة عقود في ظل التعددية السياسية , فعبر المسيرات الشعبية أيام الجمعة ,و بعدها المسيرات الطلابية أيام الثلاثاء , تمكن الحراك الأصيل من الدفع بالنظام السياسي إلى الرضوخ لمطالب المحتجين بدءا باستقالة الرئيس الراحل ,و انتهاء بتداعي سائر أركان نظامه الواحد تلو الآخر, و الانتقال إلى إقامة نظام سياسي بديل , و بشكل سلمي و سلس يحافظ على منجزات العقود السابقة و خاصة منها البنى التحتية. و لعل الذي أعطى للحراك فرص تحقيق مكاسب سريعة و حاسمة, هو قرار قيادة الجيش بدعم مطالب الشعب.و هو الموقف الذي أحبط المؤامرات التي حيكت ضد المؤسسة العسكرية ,ممن سماهم المرحوم الفريق قايد صالح بالعصابة , التي كانت وراء ظهور شعارات و تصريحات لأطراف سياسية تحاول عزل الجيش عن شعبه, لتستفرد بتوجيه الحراك الشعبي ليس نحو جزائر واحدة موحدة , و إنما نحو جزائر تمزقها النزعات الجهوية المقيتة. و لكن من حسن حظ الجزائر , أن الوعي الباطني الذي تميز به الحراك الشعبي وقف بالمرصاد لهذه الأصوات النشاز التي لم تدرك بعد الفرق بين "الجيش الشعبي" و بين "العسكر", مما جعل دعواتها بابتعاد الجيش عن النشاط السياسي , خارج دائرة المعرفة بحقائق الأمور, و من هذه الحقائق أنه ليس عبر وشائج السياسة فقط , تتوثق الروابط و تَمْتُن العلاقات , فالجيش الوطني الشعبي لطالما حافظ على صلته بمختلف شرائح المجتمع, استمرارا لتلك الصلة الموروثة عن جيش التحرير الوطني . و ذلك ليس عبر ديمقراطية الالتحاق بصفوفه المتاح لجميع الجزائريين و الجزائريات, إنما عبر إستراتيجية تبنتها قياداته ,من ضمن أهدافها ؛تنمية و تعميق التواصل بين الجيش الوطني الشعبي و المواطن الجزائري؛ و توطيد العلاقة بين الشعب و جيشه ,ترسيخا لمبدأ "الجيش-الأمة" و تحفيز الشباب على تأدية الخدمة الوطنية,الخدمة التي يتم من خلالها تعريفهم بحقوقهم و واجباتهم تجاه الوطن, و تمكنهم من معايشة "شعبية جيشهم", داخل الثكنات و خارجها, أم أننا في حاجة إلى التذكير بأهم المشاريع الكبرى التي ساهم شباب الخدمة الوطنية في إنجازها ؟ كالسد الأخضر و طريق الوحدة الإفريقية و ألف قرية فلاحية نموذجية , 3433 كلم من الطرق الكبرى, و عدة معالم عمرانية أخرى في الجزائر العاصمة ,نخص بالذكر منها؛ المتحف المركزي للجيش, و المستشفى العسكري بعين النعجة, و مسرح الهواء الطلق بقصر الثقافة. فضلا عن دورهم في مكافحة الإرهاب خلال العشرية السوداء دفاعا عن الشعب و الوطن ,وغيرها من المهام المنوطة بهم ضمن المنهجية الجديدة المسطرة من طرف القيادة العليا في مجال احترافية الجيش الوطني الشعبي؟ و كيف تغيب عن ذاكرة البعض صور أفراد الجيش الوطني الشعبي ,و هم يقدمون كل أشكال المساعدات لمن تقطعت بهم السبل من المواطنين في المناطق المعزولة , جراء الكوارث الطبيعية أو مخلفات سوء الأحوال الجوية ؟ ..و يبقى الشعب و الجيش بالمرصاد لكل أعداء الوطن إذا كان بعض السياسيين ينسون أو يتناسون مثل هذه الصور المعبرة عن تلاحم الشعب بجيشه الوطني الشعبي , فإن الشعب لا ينسى , بل حرص على تذكير الناسين و المتناسين, بهذا التلاحم , من خلال شعارات و هتافات المشاركين في مسيرات الجمعات المتتاليات للحراك الشعبي ,التي تؤشر بدورها على أن الشعب أدرى بمن يضع مصلحة الوطن فوق المصالح السياسية و الحزبية أو الشخصية. إن التوافق والانسجام داخل مؤسسة الجيش ,و مواقفها من الحراك الشعبي المدعومة شعبيا,فضلا عن كونها المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تحظى بقبول و ثقة الحراك ,كل ذلك,ساهم في مرافقة مسار تجسيد مطالب الشعب والوصول بها إلى بر الأمان, و دون مساس باستقرار الجبهة الداخلية,إذ رغم محاولات أطراف عديدة حزبية و شخصيات سياسية تَزَعُّم الحراك الشعبي , إلى جانب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وطلبة الجزائر و نقابات مهنية , إلا أن الحراك لم يتمكن من تعيين قيادة موحدة , و أهداف محددة , و اكتفى بالمطالبة برفض العهدة الخامسة للرئيس الراحل, ورفض تمديد الرابعة, و رحيل رموز النظام السابق. و هذا الفراغ في قيادة الحراك , سدته المؤسسة العسكرية عبر الخرجات الإعلامية لقائد الجيش لإقناع مكونات الحراك بالحل الدستوري عبر الانتخابات. و هو الرهان الذي أتاح للجزائر تجاوز الأزمة السياسية, ٍرغم استمرار حراك "دخيل" محصور في بعض المدن الكبرى و في العاصمة , اتسم بشعاراته المناوئة للمؤسسة العسكرية , و للمسار الانتخابي , مدعوم بالإعلام الأجنبي الذي كشف عن جهل -أو تجاهل- فظيع لطبيعة النظام السياسي الجزائري , و لدور الجيش بمقتضى الدستور الذي حقيقة ينص على "الطابع الاحترافي" للجيش ودوره في "المحافظة على الاستقلال الوطني، والدفاع عن السيادة الوطنية. ووحدة البلاد وسلامتها الترابية" , و لكن قائده كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع الوطني – و هو منصب سياسي- في الحكومة "الانتقالية" التي استمرت إلى حين قيام النظام الجديد المنبثق عن الانتخابات الرئاسية, التي جرت يوم 12/12 /2019, و منحت البلاد رئيسا ,أخذ على عاتقه مهام تجسيد مطالب الحراك الأصيل , رغم عوائق الجائحة الصحية , و عراقيل أذناب "العصابة", و تآمر المتعاونين مع جهات أجنبية معادية لوطنهم , و آخرين من دون هؤلاء و أولئك,و لكن لا ضير,ما دام الشعب و الجيش بالمرصاد لكل أعداء الوطن في الداخل و الخارج.