ليس في مقدور أحد أن ينكر للجزائر دورها المتميز في الكثير من الأحداث العالمية الجهوية و الإقليمية ,التي تؤسس لعالم جديد, قواعد اللعبة فيه, تتلخص في قاعدة وحيدة , هي إما أن تكون لاعبا أو لا تكون . و نعتقد أن الجزائر بحكم تجاربها التاريخية , قديما و حديثا , سواء في مجال النضال التحرري أو في ميادين البناء الاقتصادي و السياسي أو في التعامل مع الأوضاع و الأزمات الأمنية و الدبلوماسية, قد اكتسبت القدر الكافي من الحصانة, و المصداقية الدولية, ما يؤهلها لأن تكون لاعبا أساسيا, في إرساء أسس عالم جديد على أنقاض العالم المتهالك تحت عبء" أوليغارشيا "أقلية دولية تحتكر الثروة و تصدِّر الثورات الملونة و العقوبات "المجانية" التي لا تكلفها سوى إصدار قرارات تنفذها مؤسسات مالية تنتعش من الربا و مصادرة أموال الكادحين , و كل ذلك تحت شعارات نشر الحرية و الديمقراطية! بدعم من تحالف البلدان الغربية الذي أقامته الولاياتالمتحدةالأمريكية , ووصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ب« إمبراطورية الكذب". و لعل النشاطات المكثفة ذات البعد العالمي و الإقليمي التي تشهدها بلادنا هذه الأيام ما يعفينا من مشقة البحث عن دليل لهذه المصداقية الدولية التي بدأت الجزائر تسترجعها , بعد أن فقدتها طيلة عشرية الإرهاب الهمجي , و خلال سنوات الركود الناجم عن مرض الرئيس الراحل , و انعكاس ذلك سلبا على دور الجزائر في المحافل الدولية, و الأزمات التي تتفاعل في بعض دول جوارها. ففي مستهل العام الجاري فعّلت الجزائر دورها على مستوى القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي لمنع الكيان الصهيوني من الحصول على صفة مراقب في هذه المنظمة القارية , رغم أن هذا الكيان يتبجح بأنه استطاع "بأساليبه المخادعة" إقامة علاقات دبلوماسية مع أغلبية الدول الإفريقية المغلوبة على أمرها , كون هذا الكيان آخر الكيانات التي يمكن للأفارقة الوثوق به بعد أن ظل قادته يدعمون النظام القائم على الميز العنصري الذي عانت منه القارة الإفريقية طيلة قرون , ظل الصهاينة يدعمونه إلى آخر رمق له ؟ أولويات ثلاث لتثمين موارد الطاقة و بعد ذلك فعَّلت الجزائر دورها على مستوى القمة السادسة لمنتدى الدول المنتجة و المصدرة للغاز المنعقدة في العاصمة القطرية الدوحة , و ذلك بمشاركة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في أشغالها داعيا بالمناسبة إلى ضرورة "وضع ثلاث أولويات في المرحلة الراهنة تتعلق بتوسيع عضويته لدول أخرى وتعزيز مكانة هذه الطاقة في الأسواق الدولية وكذا إيجاد حلول تكنولوجية لتأكيد جودة الغاز كطاقة نظيفة", هي خطوة ضرورية لإرساء السوق العالمية للطاقة على أسس أكثر توازنا بين المنتجين و المستهلكين . و لا شك أن دعوة رئيس الجمهورية إلى التئام القمة السابعة في الجزائر , لهذا المنتدى الذي يتوفر أعضاؤه ال 18 على أكثر من 70% من الاحتياطيات العالمية من الغاز, و تتولى الجزائر الإشراف على أمانته العامة منذ أواخر العام الماضي , سييسر وضع هذه الأوليات حيز التنفيذ.لاسيما أن الحدث تزامن مع إحياء الجزائر الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين و تأميم المحروقات ؛ و كفتنا رسالة رئيس الدولة بالمناسبة, استعراض الفتوحات الاقتصادية التي حققها قطاع الطاقة في الجزائر , بحيث استطاع بجهود عماله "مضاعفة الإنتاج الوطني بثلاث مرات منذ 1971 , ليبلغ اليوم حوالي 200 مليون طن معادل نفط" و هو المستوى الذي يؤهل القطاع " للمساهمة في الأمن الطاقوي لشركائنا من الدول وهذا عبر تأمين التموين بالمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي، إذ سجل نمو الإنتاج الأولي ارتفاعا محسوسا في سنة 2021، قدر بنسبة 14 بالمائة للمحروقات و 23 بالمائة للغاز، تماشيا مع عودة الحركية الاقتصادية العالمية".كما أكدت ذات الرسالة الرئاسية. بموازاة هذه النشاطات تواصل الجزائر عبر المهام الدبلوماسية لمختلف مؤسساتها الدستورية من رئاسة الجمهورية و البرلمان بغرفتيه و وزارة الخارجية و التمثيليات الدبلوماسية لدى الدول العربية , الكل يواصل جهوده لتوفير الأجواء المناسبة لانعقاد القمة العربية الحادية والثلاثين و تهيئة ظروف نجاحها لإيجاد الحلول الناجعة لمشاكل العالم العربي , ومناقشة الملفات التي ستدرج في جدول أشغالها , بكل الجدية التي تتطلبها أوضاع المنطقة العربية غير المستقرة.حيث كان ملف القمة العربية أحد الملفات التي يتم التطرق إليها مع جميع الوفود الرسمية العربية التي زارت الجزائر و حظيت بلقاء خاص من طرف رئيس الجمهورية , الذي استغل بدوره زياراته إلى الدول العربية للتشاور مع أشقائه العرب حول ظروف إنجاح القمة المرتقبة خلال الثلاثي الأخير من العام الجاري بالجزائر. إصلاح جامعة العرب ؛ من تأجيل إلى آخر.. كما كان لوزير الخارجية و الجالية الجزائرية في الخارج رمطان لعمامرة جولات مكوكية في طول و عرض العالم العربي ,لوضع نظرائه العرب في صورة التحضيرات لاحتضان ذات الحدث الهام للم الشمل العربي. و لسنا في حاجة إلى التذكير بما يوجبه ميثاق الجامعة العربية على كل عضو من أعضائها,و الأهداف التي عليهم التكفل بها كل في حدود إمكانياته, والمتمثلة إجمالا في تعميق التعاون العربي في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والبشرية، والسياسية، والأمنية . و قد استطاعت الجامعة العربية بالفعل صياغة عدة اتفاقيات لتعميق وترسيخ التعاون العربي المشترك و إنشاء العديد من الهيئات و المنظمات المتخصصة لهذا الغرض , غير أن خضوع إدارة جامعة الدول العربية لتسيير مزدوج تتنازعه سلطة المنظمة العابرة للأوطان، و السيادة الفردية للدول الأعضاء, حال دون تجسيد الأهداف المنشودة .و جعل مشروع إصلاح جامعة العرب , تتقاذفه القمم بالتأجيل تارة و بالتسويف تارات . غلبة الرغبة الطبيعية عند النخب الحاكمة للحفاظ على السلطة والاستقلال في اتخاذ القرارات , و مخاوف الأغنياء من مشاركة الفقراء لهم في الثروات، والنزاعات بين الحكام العرب، وتأثير القوى الخارجية التي تتعارض الوحدة العربية مع مصالحها ، كلها عقباتٌ تقف في طريق التكامل الأعمق في الجامعة العربية لمجابهة التحديات التي تواجهها و في مقدمتها الصراع العربي الصهيوني و النزاعات العربية /العربية و الخلافات الإقليمية , زيادة على تحديات القضاء على الفقر , و تمكين الدول العربية من استغلال إمكانياتها لتحقيق التنمية المستدامة و الحرص على عدم تهميش العرب في مسار العولمة, و تفعيل دورهم في الاقتصاد العالمي. و كل ذلك يتطلب إخضاع الجامعة لإصلاحات عميقة ترتقي بها إلى مستوى التحديات العالمية التي تتهدد العالم العربي. و بعد ذلك شاركت الجزائر في القمة الإفريقية الأوروبية التي توجت بوعود رصد 150 مليار أورو على مدى 7 سنوات لمساعدة إفريقيا على تجاوز بعض مشاكلها و في مقدمتها آفة الإرهاب و الهجرة غير الشرعية و الأوبئة و منها وباء كورونا بطبيعة الحال , فضلا عن تجنب الانقلابات العسكرية بوضع الأسس السليمة لإرساء دعائم الحكم الراشد الذي يرفع القارة السمراء إلى مصاف القارات المحترمة للشرعية القانونية في حكم الناس.. و لا شك أن الجزائر لكونها من مؤسسي الاتحاد الإفريقي , لها ما تقدمه في جميع المجالات المذكورة بحكم تجاربها في التعامل مع النزاعات الإقليمية , و لكن بالشكل الذي يخدم مصالحها و مصالح الشعوب الإفريقية بالدرجة الأولى على أساس لا ضرر و لا ضرار, لاسيما أن دروس تجاربنا في الماضي و الحاضر القريب ما زالت ماثلة في أذهان الجزائريين . في نفس السياق يمكن إدراج الحدث الرياضي كعامل يكرس الحضور الجزائري على الساحة الدولية,إذ ستكون مدينة وهران خلال صائفة العام الجاري عاصمة متوسطية باحتضانها الدورة ال19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط بمشاركة 26 دولة مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط و ما تمثله من ثراء حضاري و تراث إنساني . يقول الأفارقة في أمثالهم : " من يمشي بمفرده يمشي سريعا و من يمشي مع الآخرين يمشي بعيدا", و الجزائر مضطرة إلى ممارسة النوعين من المشي , أولهما على المستوى الداخلي , و الثاني على الصعيد الخارجي لبلوغ أهدافها التنموية.و أكثر الله الماشين في عصر ازداد فيه القاعدون.