أجواء الإحتفال بالمونديال والإهتمام بالخضر نلمسها في كل مكان داخل وخارج الوطن وإن كانت الجاليات الجزائرية تقيم التجمعات والأفراح ابتهاجا بوصول فريقها إلى نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا والمشاركة فيها في العديد من الدول العربية والغربية، فإن تونس تصنع الإستثناء لأن شعبها الشقيق تحول كله إلى مناصر واحد للخضر فهل هذه المساندة تلقائية، وعفوية؟ أم أنها جاءت بإيعاز من جهات رسمية وحكومية للتقرّب أكثر من القيادة الجزائرية واستغلال حالة التوتّر مع السلطات المصرية بسبب أحداث القاهرة وافتراءات أم درمان؟. الجمهورية تنقلت إلى تونس وعادت بصور متميزة عن ما يعيشه الإخوان هناك وعن شدّة تعلقهم بأرض المليون ونصف مليون شهيد وحرصهم على تثمين ما صنعته الكرة من وحدة وتقارب بين الشعوب عجزت السياسة عن الرقي بهما إلى هذا المستوى العالي منذ عقود وعادت بانطباعات مختلفة لشرائح متعددة لأفراد من الجتمع التونسي وفي العديد من المدن هناك. * نضال مشترك ومناصرة أخوية عند محاورتنا للأشقاء بتونس حول مناصرتهم للفريق الجزائري وعن أسبابها يعود بنا كل واحد منهم إلى أحداث تاريخية مهمة في تاريخ البلدين، وإلى صور التعاطف والتلاحم إبان الثورة التحريرية وما قدمته تونس إلى ثوار الجزائر في تلك الفترة حيث جعلت مدنها الحدودية ملاجىء للآلاف من الجزائريين، درست طلبتها في الزيتونة واحتضنت اجتماعات سرية لقيادتها هذه الأمور يتحدث عنها أهل تونس بفخر واعتزاز ومن منطلق الواجب القومي والعروبي وليس من باب المنّ والتفاخر كما أكده لنا الحاج المهدي من قفصةبالجنوبالتونسي بسرد وقائعها بالتفصيل وأخبرنا بأن الدماء الجزائرية امتزجت بالدماء التونسية في ساقية سيدي يوسف في الثامن من شهر فيفري 1958، إن المتتبع لتاريخ المواجهات الكروية ما بين البلدين يعود إلى تلك الفترة المضيئة للرياضة في السبعينيات من القرن الماضي حيث كان التفوق التونسي واضحا وتمكن أشبال عبد المجيد الشتالي من التفوق على الأفناك في العديد من المواجهات وقطع الطريق عليهم والذهاب إلى المونديال في الأرجنتين سنة 1978 بعد فوزه بملعب المنزه بتونس في مقابلة الذهاب ب 2/0 وتعادله في ملعب 5 جويلية بنتيجة 1/1 وكان الحماس كبيرا بين أنصار الفريقين لكنه لم يتعد حدود التشجيع والتعبير عن الفرحة وشهدت الكرة التونسية تقهقرا فظيعا بعد العودة من المونديال وتفكك عناصر الفريق ورحيل المدرب القدير الشتالي وهجرة لاعبيه وتوقف البعض منهم بعد ذلك وفي نفس السنة بدأت ثمار الإصلاح الرياضي بالجزائر تظهر وبدأ اللاعبون الشباب ينضجون وبعد الحصول على الميدالية الذهبية في الألعاب الإفريقية بالجزائر بدأت ملامح سيطرتها الكروية على الأشقاء في كرة القدم وتمكن رفقاء ماجر وقندوز من الثأر (الرياضي) من الفريق القومي التونسي وقطع الطريق عليه نحو مونديال مكسيكو سنة 1986، حيث فازوا على نظرائهم وأشقائهم بملعب المنزه نفسه في مباراة الذهاب ب 4/1 والعودة بالجزائر ب 3/0 وبمجموع سبعة أهداف في مباراتين. وكانت كذلك بداية السيطرة في كرة اليد حيث توج المنتخب الجزائري وفي تونس بأول لقب إفريقي سنة 1981بقيادة المدرب الكبير عزيز درواز وتوالت الإنتصارات، إلا أن الجماهير الجزائريةوالتونسية ظلت تردد »نحن خاوة وما تكونش أبدا بيناتنا عداوة«، ومرة أخرى عادت السيطرة التونسية في العشرية السوداء وتأسف الأشقاء عن عدم حضور الجزائر إلى موعد كأس إفريقيا للأمم سنة 1994 بتونس بسبب خطأ تقني أو ما عرف حينها بقضية اللاعب »كاروف« وتحدثت شخصيا قبل انطلاق الكان بتونس بأيام مع رئيس لجنة التنظيم والرجل القوي في دواليب المؤسسات الرياضية بتونس ورئيس الترجي الرياضي آنذاك الأستاذ سليم شيبوب الذي أبلغني أسفه عن حدوث خطأ إشراك اللاعب كاروف في مقابلة دولية وهو تحت طائلة العقوبة، ودعا الجزائريين إلى مناصرة المنتخب التونسي الجار. * الجزائر في القلب بفضل مغارية وبن شيخة أسباب عديدة جعلت التوانسة يحبون الجزائريين ويفضلونهم عن بقية الشعوب العربية الأخرى أولها عامل الإنتماء الجغرافي وتصاهر العديد من العائلات في ما بينها كذلك النضال المشترك والتاريخ الثوري الحافل بالأحداث المثيرة وكذلك التقارب المتواجد بين الشعبين من خلال حركة السياحة السنوية، حيث يفضل الجزائريون قضاء عطلهم السنوية بتونس وكذلك استقرار العلاقات السياسية بين البلدين ومنذ استقلالهما، حسن الجوار والنضال لم يكون وحدهما المتسببان في هذه القفزة القوية في المناصرة الجماهيرية للأشقاء بتونس للخضر بل هناك عوامل أخرى منها ما قدمه اللاعب الدولي السابق والمدافع الفذ لمنتخب الثمانينات فوضيل مغارية لفريقه النادي الإفريقي والذي يعترف عشاقه إلى الآن بالأسطورة فوضيل مغارية كما يحبون المدرب عبد الحق بن شيخة الذي أهدى للنادي الإفريقي لقبا رياضيا بعد حوالي ربع قرن من الإنتظار ولقد شاهدت بنفسي مدى تعلق الأنصار التوانسة بمدربنا الجزائري خلال حضوري بملعب قفصة ومتابعة لقاء قوافل قفصة والنادي الإفريقي في التاسع أفريل من السنة الماضية وبعد اللقاء تهافت أنصار الفريق المنهزم في عقر داره لتحية مدربنا عبد الحق بن شيخة وأخذ صور تذكارية معه حينها همس في أذني قائلا »يحبونا في تونس بارشا« * مناصرون توانسة في جوهانسبورغ من أجل الخضر أيام قليلة قبل المونديال زرنا تونس و تجولنا عبر العديد من مدنها الساحلية والداخلية ولاحظنا مظاهر الإستعداد للعرس العالمي، أعلام ورايات تونسية وجزائرية وأغاني عن الكرة وعن الخضر لكل الفنانين الجزائريين وللفنان التونسي فرحات الجويني مع الشاب قادير تذاع في المحلات والأسواق وسرعان ما يتعرف علينا الأشقاء من خلال لهجتنا ليبدأوا في أسئلتنا عن المونديال وعن تسريحة شاوشي التي يقلدها الكثير من الشباب وعن إعجابهم بعنتر يحيى وبقوته وكذلك بأناقة يبدة وبتقنيات وهدوء النجم مغني مراد وتأسفهم عن استبعاده من التشكيلة . وعلمنا من أحد أعضاء النادي الإفريقي بأن رجل أعمال تونسي وتنفيذا لوعد قطعه على نفسه وزوجته الجزائرية بأن يقوم بالتكفل ب 50 مناصرا تونسيا إلى جنوب افريقيا إذا ما تأهل رفقاء زياني ووفى بوعده حيث أرسل الخمسين مناصرا بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء الجالية الجزائرية المقيمة بتونس وبعض التوانسة القاطنين بالمهجر ولاحظ الجميع الراية التونسية ترفرف في ملاعب جنوب إفريقيا مع نظيرها الجزائرية. خيبة الأمل غير المنتظرة في إقصاء المنتخب القوي التونسي من الوصول إلى نهائيات كأس العالم في آخر مقابلة تصفوية ولدت الحسرة للجماهير التونسية، وكما أكدته لنا فإنها تجد في الخضر نفسا جديدا للمناصرة والتعبير عن الإعتزاز بالإنتماء المغاربي.