"إن طريق الحياة وعرٌ وشاق بدون مساعدة الدين والفن والحب"؛ هكذا قال المبدع الفرنسي "ألبير كامو" في رائعته المسرحية "كاليجولا"، وفي حياتنا الراهنة بتعقيداتها المعاصرة من الصعب أن يحافظ الإنسان على قواه المعنوية إن لم يضاعف ارتباطه الروحي بالدين، ويتسامى كيانه في حالة حب كونية لكل مظاهر الجمال من حوله، ويقدم لوجدانه جرعات كافية من الفن لترتشفها أحاسيسه في كؤوس الخيال، فتغدو بهذا وقودا معنويا يهبه المزيد من الأمل والأحلام اللذيذة بمستقبل أجمل. أن تكون قريبًا من الفن بكل أشكاله يعني أن تكون قريبًا من فهم نفسك، عميقا في فكرك، قادرًا على تحليل مشكلاتك وحلها دون صعوبة، لأن تلقي الفن الجيد يحرر النفس من قيودها الداخلية لتنطلق إلى عالم أنقى وأرقى وأرحب من ضيق عالمها المحدود. الفن يرتقي بأذواقنا، يهذب سلوكنا بطريقة غير مباشرة، ويعلمنا كيف نكون مثقفين، رومانسيين، ولبقين في التعامل مع أصغر تفاصيل الحياة المحيطة بنا، وهو ما نحتاجه لنصنع من حولنا عالما جميلا يستحق أن يُعاش. الفن يسمو بكيان المخلوق البشري محرضا ذهنه وأحاسيسه على البحث، والتنقيب، والتساؤل عن حقائق الأشياء وفلسفتها، وصولا إلى محاولات اكتشاف ذاته الداخلية ومواجهتها بحُرية صادقة بعيدة عن قيود سجن مسلماته الفكرية السابقة التي ورثها عن بيئة أسرية ومجتمعية قد لا تكون بلغت حدودا كافية من النضج أو التقدم الفكري والإنساني الصالح لصناعة إنسان قادر على مواجهة تقلبات الزمن وتغيراته الحضارية. بعض الناس يظنون أن الفن مجرد وسيلة ترفيه ورفاهية يلجأ لها الراغبون بإضاعة أوقاتهم، غير عالمين أن ولوج عالم الفن يضيف عمرا جديدًا إلى عمر متلقيه والسابح في بحاره لأنه يضيف إلى تجربته الإنسانية – التي تظل قصيرة مهما طالت- تجارب آلاف الفنانين والمفكرين المبدعين، فالتجربة المكثفة لعدد من شخصيات فيلم أو مسرحية متميزة قد تقدم خلال سويعات محدودة ما لا تقدمه الحياة للإنسان إلا في سنوات، واللوحة التشكيلية قد توقظ في الروح ومضة إحساس يندر أن تتكرر، والرسم الكاريكاتيري قد يختزل في مساحته الصغيرة قضية لا يستطيع عامة الناس الإفصاح عنها، ومقطوعة موسيقية قصيرة تملأ النفس رغبة في الحياة وتدفعها لفرد جناحيها والانطلاق في عالم الإبداع دون حدود. وقبل كل هذا وذاك؛ تبقى الفنون أرقى علاج لأوجاع النفس الإنسانية على مر العصور القادمة، كما كانت كذلك طوال العصور الغابرة، وهو ما أكد عليه القاص المصري "فؤاد قنديل" في مجموعته القصصية "سوق الجمعة" حين قال: "الحياة تهاجم بضراوة، وعلينا أن نقاومها بالموسيقى والفنون".