* مسرح وهران لا يستفيد من أية مساعدة من جانب السلطات المحلية * نسجّل معدلا سنويا ب (60) ألف مشاهد غوثي عزري الفنان والمخرج والمدير لأكبر مؤسسة للمسرح في الغرب الجزائري، صنع اسمه وتاريخه من ذهب على خشبة المسرح، رفقة وجوه فنية خالدة تركت بصماتها في تاريخ المسرح الجزائري، قدّم الكثير من الأعمال التي تفاعل معها الجمهور العاشق للفن الرابع، منها مشاركته لعبد القادر علولة في الاخراج كمساعد في المسرحية التي لن تتكرر بأداء ممثليها « أرلوكان خادم السيدين» في سنة 1993، وفي اخراج مسرحية « أشواك السلام» في 2007، وفي « لعبة الزواج» في سنة 2010، والتي تجاوزت عدد العروض السقف المعروف عند أهل الفن. ساهم غوثي عزري أيضا في فتح الأبواب للكثير من الأسماء الإبداعية لإنجاز أعمال فنية راقية من خلال دعم المسرح في اطار عمله كمدير لهذه الهيئة الرسمية وساهم في المشهد الثقافي من خلال فتح أبواب خشبة علولة للكثير من الفعاليات الهامة على مستوى ولاية وهران سواء أكانت مسرحية أو فنية أو أدبية وبحكم تواجده في مواقع وفضاءات عدة، ومن أجل تسليط الضوء على جوانب أخرى من المشهد الثقافي والمسرحي بالباهية كان لنا معه هذا الحوار الجميل. * كيف تسيّر مؤسسة المسرح بالباهية وهران ؟ - يجب أولا أن نعلم أن مسرح وهران، باعتباره فضاء مسرحيا عموميا هو هيئة تابعة للقطاع العام، بحيث أن وضعيته القانونية ذات طابع صناعي، وتجاري .. لكن هذا الطابع لا ينقص من كونه فضاء ثقافيا فنيا، لأن الوضعية القانونية المذكورة تقتضي أن يكون مزودا (بدفتر أعباء) يلزمه ببعض المهام الإبداعية والنشر المسرحي، وكذا ترقية الشباب أصحاب المواهب، كما أن للمسرح أهدافا أخرى تتمثل في تطوير (مسرح الطفل) وهي كذلك منصوص عليها في دفتر الأعباء ..،.. المسرح مسير من طرف مدير يقدّم كل مشاريعه التنموية لمجلس ادارة معين بقرار وزاري، هذا الأخير يرأسه ممثل عن وزير الثقافة يتكون من ممثل العمال، وكذا ممثلين عن بعض الوزارات بالموازاة توجد (لجنة فنية ) مهمتها التشاور حول الجوانب الفنية، اللجنة مكونة من (6) فنانين منتخبين و(4) ممثلين عن وزارة الثقافة، كل المشاريع الفنية يتم تحليلها من طرف هذه الهيئة التي تقرر مصير هذه المشاريع، هذا يعني أن تسيير المسرح يخضع لحد أقصى من المتدخلين والهيئات التشاورية هذا العامل جعل القرار الفني أو المتعلق بالتسيير يتمتّع بجملة من الضمانات قبل وضعه حيّز التطبيق . * مسرح الطفل ما مسار فعاليته ؟ - لقد أكدنا مرارا أن مسرح الطفل هو تخصص يمنح الكثير من الأفضلية ، سواء تعلّق الأمر بالعمل الفني في حدّ ذاته، أو بالأبحاث الجمالية، أو فيما يتعلق بالأشكال المختلفة للعرض، وخصوصية المشاهد، المجال واسع جدّا، إلى درجة أن الموضوع يقتضي استحداث هيئة أو تخصّص في الفنون الدرامية تكون من مهامها الأساسية التفكير، وانتاج أداء مسرحي موجّه للطفولة، وحول الاقبال الذي يبديه المشاهدون الشباب اتجاه العروض المسرحية الموجهة للأطفال، والتي ننظمها بصفة دورية، أرى أننا جدّ مندهشين إزاء تدافع الأطفال أمام شبابيك المسرح، هذا الوضع يدفع بنا أحيانا ونزولا منّا عند رغبات الأطفال وتدافعهم إلى برمجة عرضين متتاليين لكل أمسية، وبطبيعة الحال إن مثل هكذا، قرار لا يتم إلا بموافقة الفنانين، لأن تقديم عرضين بصفة متتالية عمل شاق ومتعب، يجب كذلك إضافة شيء مهم هو أن جمهور الأطفال عالم دقيق التنظيم فإذا كانت هناك معلومة تهمّهم فإنها تنتقل عن طريق المعلمين ، ومن شخص إلى شخص داخل مدارس المدينة إن هذه الآلية الإخبارية هي التي تعمل لصالح الأطفال والفنانين، أما درجة الذروة في نجاح (مسرح الطفل) فهي فترات العطل المدرسية ، عطل الشتاء، والربيع والصيف في فترات العطاء المسرحي الأهم وبالنسبة للبالغين الذين يرافقون أولادهم، أعتقد أنهم مطمئنين بمقام (الأمير) المخصص لأبنائهم، وهذا مباشرة عند دخولهم (بهو المسرح) لأن جمال القاعة في حد ذاته هو جزء من جمال العرض، ومن جهة أخرى أشاطر الرأي الذي يقرّر أن مسرح الطفل، أكثر تعقيدا وصعوبة من مسرح البالغين وذلك بسبب كون الطفل هو بالغ في مرحلة التكوين والنشُوء، بحيث أن قدرات التمييز عنده ليست متطورة بما فيه الكفاية، بهدف تحصينه من بعض الانحرافات التي يمكن أن تحتويها بعض العروض الموجهة للطفل، بل أن هناك من يسقط في مواضيع صبيانية ساذجة ومن هنا فإن (مسرح الطفل) مسألة جادة تتطلب الكثير من اليقظة مع ملاحظة صارمة للقواعد البيداغوجية، وبالنسبة للعروض التي قُدمت في شهر ديسمبر فنادرا ما توجد منها من خرقت هذا، والتي لم تحترم قواعد العمل تعود مرّة أخرى إلى العرض على ركح المسرح الجهوي بوهران. * ماذا عن العلاقة بين مسرح وهران والجمهور ؟ - قبل كل شيء يجب أن نؤكد أن المسرح الجهوي بوهران يُسجل معدلا سنويا ب (60) ألف مشاهد، هذا الرقم لم يمنعنا من التفكير في مسألة الجمهور، وهنا يجب التنبيه إلى أنه في هذا المستوى لكل جمهور - واقعه- فيما يخص جمهور الكبارفهو يتكون غالبا من الشباب، بالاضافة إلى بعض الأوفياء من جيل السبعينيات ، بالنسبة لهذه الفئة الأخيرة هناك عوامل تحليلية قد تساعدنا على التحليل والتي ممكن أن نفسر احجامهم ليس بدعم الاهتمام بالحدث الثقافي في حد ذاته، بل عدم استعدادهم تجاه الاحداث الفنية بسبب عوامل قد ولدتها ظروف خارجية عن المشهد نفسه، أما بالنسبة للمشاهد الشاب والذي يجب أن نحدّد معدل العمر عنده ب (30 سنة) ما هي معالم الحياة التي تلقّاها؟ باستثناء تلك التي تلقاها من التيار الديني، الذي أدخل بلادنا في دوامة العنف وكراهيّة الآخر، هذا نتج عنه فترة طويلة تمتد إلى (15سنة) من القطيعة بين المواطن والفنون، المشاهد اليوم لم يتفاعل منذ الصغر مع عالم الفنون والآداب فقد كان في أغلب الأحيان في حالة احتكاك مع « ثقافة الموت» !؟ الأمر يتعلق اليوم سواء بالنسبة للفن المسرحي، أو التّعابير الفنية الأخرى، بإعادة اجتياحه وكسب ثقته، هذا عمل طويل، وهو الآن بصدد التحقيق، عن طريق جملة من الاجراءات ذات الطابع الوطني في مجال الثقافة. * الحركة المسرحية ما شكل علاقتها مع الفضاءات والحياة الثقافية ؟ - هل يمكن أن نتصور مثلا، أن مدينة كبيرة في حجم وهران لا تملك قاعة عرض فني في مستوى المسرح الجهوي لا توجد لحد الآن قاعات (جوارية) خاصة داخل الأحياء الكثيرة والجديدة ذات الكثافة السكانية العالية، كما لا يوجد برنامج عمراني أدخل ضمن مخططاته بناء مثل هذه القاعات الجوارية (المسرح) بحاجة إلى تطور التعابير الفنية الأخرى..،.. ولا يمكن له (أي المسرح) أن يكون فاعلا إلا ضمن تناغم شامل مع هذه التعابير حيث تصبح هذه القاعات الجوارية وعاء تجميع لكل التعابير الفنية (قاعات السينما، الحفلات الموسيقية ، أروقة الفنون) يجب أن تتحول إلى داعم وحاضن في مجال تكوين المشاهد، لكن نحن لا نزال بعيدين عن الهدف و!؟ * المكاسب الثقافية لمدينة وهران كيف تكون فاعلة ؟ - الحقيقة أن وهران بحاجة إلى مواعيد ثقافية هامة في مستوى قدراتها وكذا تراثها الفني وتاريخها ...وعبر التاريخ أنجبت وهران شخصيات ثقافية وفنية سامية إنها مدينة عظمى اكتسبت مؤهلات كبيرة عن طريق احتكاكها بحضارات تعاقبت عليها (الإسبان-العثمانيّون- الفرنسيون) .. من جهة ثانية نلاحظ أن مشاريع التطور العمراني لم تُعط الأهمية اللازمة للحياة الثقافية والفنية الضرورية داخل النسيج الحضري، هناك تفكير في تحسين نوعية الأحياء لكن دون مشاريع لمرافق ثقافية ...(!؟)..، إنّ أهم موعدين ثقافيين لمدينة وهران هما فقط : « مهرجان الأغنية الوهرانية) و« مهرجان الفيلم العربي»، هذان الموعدان الهامان لا يستفيدان من الاهتمام الذي يليق بهما . وباعتبارهما فضاءين في خدمة الفن، والجمهور الوهراني يجب عليه الدفاع عنهما وحمايتهما، ثم أنا جدّ متأكد أن السلطات المركزية كان بإمكانها مضاعفة - مرتين- على الأقل عدد مثل هذه المهرجانات لو أنهم وجدوا المساندة الفعلية من جانب أهل القرار على المستوى المحلي المساندة الفعلية. * التدعيم من السلطات المحلية رائد سائد أم غائب مغيّب ؟ لا يمكن أن نتحدث عن المساعدات المحلية بالمعنى الخاص للكلمة ، مسرح وهران -لا- يستفيد من أية مساعدة من جانب (السلطات المحلية) المساعدة التي تأتينا من الدولة هي الوحيدة التي سمحت لنا حتى الآن بضمان (نشاط فني) بصفة مستدامة لصالح مدينتنا، مساعدة وتمويل النشاط الثقافي ليس توجها في غير الاتجاه السليم لأن المستفيد في الأخير هو المواطن الوهراني وهذا الأخير من حقه أن نصرف من أجله المال هو بحاجة إلى تحفيز لكي نجعله يهتم بالانتاج الثقافي والفني ويُعتبر هذا أيضا من واجبات المؤسسات والهيئات المشرفة على المدينة لكن يجب الإبقاء على شعلة أمل لأن هذا ممكن أن يأتي يوما والتحية فاتحة والسلام مسك الختام.