نصف قرن من الإبداع و التألق • شبكة صدانا الثقافية في الشارقة برئاسة الشيخة أسماء بنت صقر القاسمي تكرم زهور ونيسي نظير رصيدها الأدبي والثقافي على مدار نصف قرن ، كرمت شبكة صدانا الثقافية في الشارقة التي ترأسها الشيخة أسماء بنت صقر القاسمي الكاتبة الجزائرية زهور ونيسي التي تعد أول كاتبة جزائرية انخرطت في عالم الكتابة والنشر باللغة العربية . هي ابنة مدينة الجسور قسنطينة من مواليد ديسمبر 1936م، مجاهدة في ثورة التحرير الجزائرية، تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، تقلدت مناصب عليا ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية ، لم تقطع صلتها بجسر الكتابة الذي ظلت وفية لها، ليبقى جسرها الأساسي الذي تواصلت من خلاله مع الذين أجبوها وقرؤوا لها، فهي علما بارزا في تاريخ الجزائر الحبيبة فهي الأديبة التي كتبت أول رواية باللغة العربية "من يوميات مدرسة حرة"، هي المرأة المجاهدة التي سمت بنفسها إلى مصاف البطلات الجزائريات أمثال لالة فاطمة نسومر، جميلة بوحيرد، حسيبة بن بوعلي و غيرهن. و هي أول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة و ربما في تاريخ الجزائر قديمه و حديثه. كما ساهمت زهور ونيسي في توعية المجتمع الجزائري من خلال ممارسة مهنة التعليم كما انخرطت باكرا في مجال الصحافة و هي أول رئيسة تحرير في مجلة نسائية في الجزائر. لكن الرحلة لم تكن سياسية خالصة بل كانت أدبية أيضا بحيث تعدد نتاجها الأدبي ليشمل القصة و المقالة الأدبية و الرواية. و تعتبر الثورة الجزائرية نقطة أساسية في أعمالها المتعددة الأجناس حيث صدرت لها مجموعة قصصية أولى بعنوان "الرصيف النائم" (1967) تضمنت ست قصص ذات طابع واقعي بحت يعكس يوميات الثورة التحريرية و معاناة الشعب الجزائري حيث أبرزت دور المرأة المناضلة من أجل القضية الوطنية. تواصلت تأثيرات الثورة في إنتاجها الموالي حيث نلمس في مجموعتها القصصية الثانية "على الشاطئ الآخر" (1974) الالتزام بالوطنية رغم الظلم و الاضطهاد الممارس على المرأة من قبل المستعمر الفرنسي حيث أبرزت هذه المرة دورها الذي لا ينبغي أن يكون أقل حظا و أهمية من دور أخيها الرجل. و من يتأمل هذه المجموعة القصصية سيلاحظ معاناة الرجل الجزائري هو الآخر من خلال ملامح البؤس لأجل الحصول على رغيف خبز خارج وطنه الأم. واصلت الأديبة زهور ونيسي إخلاصها النضالي الثوري الذي جسدته في باكورتها الروائية "من يوميات مدرسة حرة" (1978) و التي اعتبرها النقاد سيرة ذاتية قدمت من خلالها الكاتبة مرحلة من مراحل حياتها كمدرسة في قالب روائي يهدف بالأساس إلى توثيق مرحلة مهمة في الحياة، و من يقف أمام هذا العمل سيتغلب عليه إحساس بواقع زهور ونيسي الذي ولى و مضى و كأنه حقيقة يراها أمامه و يشعر بها ماثلة في ذهنه. إن استخدام الكاتبة لأحداث و شخصيات و أماكن ترتبط بحياتها الشخصية قصد تأليف روايتها الأولى يمثل ظاهرة لا يمكن أن تغيب على أي قارئ ملاحظ. فغالبية الكتاب ينطلقون في نصوصهم الأولى من كل ما يتصل بحياتهم الشخصية ربما لثقل الذاكرة بتلك الذكريات. فلا بد لكل كاتب أن يسعى للتخلص من ذلك الثقل في أعماله الأدبية الأولى فتتطهر مخيلته ليعمل على تشغيلها لاحقا بملكات التخيل، و الكتابة عن الذات ممارسة يسيرة يتحسس الروائي من خلالها عالم الكتابة من خلال مرجعيته الذاتية و حياته الشخصية و تاريخه و علاقته بالآخرين. و الغالب على السير الذاتية أنها تكتب بضمير المتكلم "أنا" الذي استعملته زهور ونيسي كأداة حميمية ذاتية متصلة مع النفس طالت مسافة زمنية ليست قصيرة عصفت بذاكرة الروائية و بمحيطها الذي تتفاعل داخله عدة أحداث على جميع المستويات. المعروف عن الثورة الجزائرية أنها ثورة جاءت لتحرير الإنسان من أشكال الهيمنة و الاستعباد و القهر و لذلك ارتبط بها أغلبية الأدباء و خصوصا كتاب الرواية الذين سارعوا إلى توثيق ما أحدثه المستعمر الفرنسي منذ أن وطئت قدمه أرض الوطن و الذي حاول جاهدا أن يقضي على الكيان الجزائري و الهوية الوطنية و من بين هؤلاء الجزائرية زهور ونيسي تلك الأديبة التي لا تغيب و التي عكست أعمالها البطولة و روح التضحية و حب الوطن و هذا ما نلمسه في مجموعتها القصصية الثالثة "الظلال الممتدة" (1982) ، و من يقرأ الرواية الثانية للأديبة زهور و نيسي الموسومة "لونجة و الغول" (1994) سينتبه إلى التكنيك الذي استعملته الروائية لتعبئة نفس القارئ و شحنها بقيم الثورة و الجهاد من خلال نماذج نسائية ساهمت في مجال الكفاح إلى جانب الرجل و نذكر على سبيل المثال شخصية "خالتي البهجة" و هي امرأة مطلقة معروفة بحكم عملها في حمام الحي، ثم صارت إضافة إلى ذلك تعمل لصالح الثوار. هذه الأخيرة شاركت في الثورة بداية دون استيعاب لما يسعى إليه الثوار، حيث استغلها رجال النظام لفائدة الثورة نظرا لامتلاكها موهبة نشر الأخبار،و من هنا كانت الانطلاقة لتتحول "خالتي البهجة" من مجرد وسيلة دعاية إلى مناضلة حقيقية. وفي سن متقدمة وبعد رحلة شاقة من جسر إلى آخر جلست في لحظة تأمل طويلة كانت محصلتها رواية "جسر للبوح وآخر للحنين" الصادرة عن منشورات زرياب ، لكن تلك اللحظة أعادتها سنين طويلة إلى الوراء، إلى سن الطفولة حيث الجسور المعلقة، وقد بقيت هناك موزعة بين جسر للبوح بتفاصيل تلك الرحلة الشاقة، وآخر حنينا إلى تلك الطفولة التي لن تعود. هذه السيدة التي تعتبر من الرائدات، فهي من أوائل نوّاب البرلمان الجزائري من الناس، وأول امرأة حاولت كتابة رواية من خلال عملها "يوميات مدرّسة حرة"، وأول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة وربما في تاريخ الجزائر قديمه وحديثه، أثبتت وفاءها للكتابة، كهم أول مقدم على هم النضال السياسي الذي انخرطت فيه باكرا، وقد كانت الرحلة فعلا شاقة، وكانت زبدتها تلك الرواية التي تلخصها في أنها "رحلة إلى أغوار تاريخ مدينة، رمز لكل الوطن، برقمها المقدس سبعة في جسورها، و قصباتها ، وأوليائها، وما يحمله كل ذلك وغيره من زخم تراثي ، وموروث شعبي". السيدة زهور لم تقطع يوما صلتها بالكتابة الأدبية، وظلت تكتب وتنشر إلى الآن، فلقد عرفت بالكثير من الكتب، "الرصيف النائم" وهي مجموعة قصصية صدرت بالقاهرة سنة 1967 ، "على الشاطئ الآخر" مجموعة قصصية صدرت سنة 1974 بالجزائر، "من يوميات مدرسة حرة" 1978 بالجزائر وهي أول رواية كتبها امرأة جزائرية، ثم "الظلال الممتدة" سنة 1982 وهي مجموعة قصصية، و "لونجة والغول" وهي ثاني رواية لها صدرت سنة 1994، ثم "عجائز القمر" 1996 وهي مجموعة قصصية ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان "روسيكادا" صدرت سنة 1999، ثم جمعت زبدة المقالات التي كتبتها في الأدب والسياسة والمجتمع في كتاب صدر سنة 1999 بعنوان "نقاط مضيئة". و من هنا نستخلص أن الجزائرية زهور ونيسي قد ساهمت في خدمة وطنها، و هذا ما نلمسه من خلال ما قدمته من إنتاج أدبي بقيم نبيلة تخدم الإنسانية. فكل قصة أو رواية كتبتها حفرت في مجرى التاريخ و ستبقى في الذاكرة بعيدة عن الموت و الاندثار، و لن يتجاوزها الزمن حتى و لو سعى البعض إلى ذلك لأن خفاياها تبقى نابضة بالحياة تشهد على أن الحقيقة التي تحملها لا تزال حية تفرض حضورها على المتلقي سواء كان عربيا أو أجنبيا ، و يبدو أن جسر الكتابة هو الأقرب إلى وجدانها، ذلك الجسر الذي ربطها بالكثير من القراء الذين عرفوها منذ صدور كتابها الأول قبل أربعين سنة، وليس وصولا إلى روايتها الصادرة أخيرا، فجعبة السيدة مازالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة.