كتب باتريك كوكبرن في إندبندنت أن معالجة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لأزمة غزة جعلته في بؤرة الضوء ووضعت تركيا في مركز السياسة الإقليمية. فمنذ أن اقتحمت قوات الكوماندوز الإسرائيلي سفينة المساعدات لغزة وقتلت تسعة ناشطين برز وجه أردوغان، الرجل الذي قاد إدانات الغارة، في عناوين الصحف وعلى شاشات التلفاز في أنحاء الشرق الأوسط. وقال كوكبرن إن الإخفاق الدموي الإسرائيلي قاد إلى تغيير حاسم في ميزان القوة في الشرق الأوسط، أكبر من أي شيء شوهد في المنطقة منذ أن حرم انهيار الاتحاد السوفياتي العرب من أقوى حليف لهم. وأشار إلى أن دور أردوغان الشخصي سيكون له أهمية دائمة في أنحاء المنطقة. وبقيادته ستصير تركيا مرة أخرى لاعبا قويا في الشرق الأوسط لدرجة لم تحدث منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. واستغرب الكاتب من أن تركيا، بسكانها البالغ عددهم 72 مليون نسمة وثاني أكبر قوات مسلحة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد الولاياتالمتحدة، لم يكن لها دور رئيسي في الشرق الأوسط قبل الآن. وقال لو أن تهديدات أردوغان لإسرائيل جاءت من زعماء آخرين في الشرق الأوسط لكان من الممكن تجاهلها لأن أنظمة هؤلاء الزعماء ضعيفة ولا هم لهم إلا التمسك بالسلطة. لكن تركيا مختلفة لأنها تنمو بسرعة في قوتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية. وفيما يتعلق بعلاقاتها بالعراق وسوريا وجيرانها الأخرين تقوم تركيا بدور مركزي لأول مرة منذ كمال أتاتورك -أول رئيس لتركيا المعاصرة- ففي العراق، على سبيل المثال، تعتمد الولاياتالمتحدة على تركيا في زيادة نفوذها ومقاومة إيران بوزن مماثل بعد انسحاب 92 ألف جندي أميركي خلال ال18 شهرا القادمة. لكن ليس واضحا إلى أي مدى سيذهب أردوغان هذه المرة في تأكيد قيادة تركيا في الشرق الأوسط ويستغل الإخفاق التام لإسرائيل. فسجله يشهد بأنه سريع في استغلال أخطاء الآخرين. لكنه يحب أن يختار الوقت الذي يناسبه وهو حريص على ألا يبالغ في قوته. فقد فعل ذلك بمهارة كبيرة في السياسة المحلية في مواجهاته مع قيادة الجيش التركي التي اعتادت رسم حدود سياسة تركيا الخارجية. سيرته ومن المعروف عن أردوغان -وهو ابن ضابط في خفر السواحل- أنه ولد في مدينة ريز على البحر الأسود عام 1954 وانتقل مع أسرته إلى إسطنبول وهو في سن 13 وكان يبيع الليمونادة وكعك السمسم في أحياء الطبقة العاملة بالعاصمة أثناء ارتياده المدارس الدينية. ونظرا لطوله وقوة بنيانه صار لاعب كرة قدم محترفا بينما حصل على درجة في الإدارة في جامعة مرمرة. وكان معروفا بصلاحه والدعاء قبل كل مبارة. لكنه منذ مرحلة مبكرة كان مهتما بالسياسة. فقد التقى نجم الدين أربكان -زعيم حزب الرفاة الإسلامي- عندما كان في الجامعة وأصبح مسؤولا عن قسم الشباب بالحزب في إسطنبول. ونظرا لقدرته على الخطابة وتنظيمه السياسي ارتقى في مراتب الحزب وأصبح حاكما لإسطنبول وهو في سن الأربعين وكان يوصف بأنه إداري مخلص وكفء. وبعد أن أخرج الجيش حزب الرفاة من السلطة سجن أردوغان أربعة أشهر لإقراضه شعرا إسلاميا تضمن كما يُزعم سطورا تحريضية جاء فيها: "المساجد ثكناتنا والقباب خوذنا والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا". وتيقن أردوغان وزعماء سياسيون شباب آخرون أن الجيش والمؤسسة التركية لن تدعهم يتسلمون السلطة ما لم يبينوا أنهم موالون للغرب والرأسمالية ولذلك شكل حزب العدالة والتنمية عام 2001 وفاز بالانتخابات العامة في السنة التالية. واستطرد كوكبرن بأن أردوغان استطاع تقليص دور المؤسسة العسكرية كإصلاح لازم لتقدم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي. وساعده ازدهار اقتصادي مستدام تدفق خلاله رأس المال الأجنبي إلى تركيا وبلغ النمو الاقتصادي 7% حتى عام 2007. وكان حريصا على ألا يشكل عداوات بدون داع. وهدأ الولاياتالمتحدة بعد رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأميركية بغزو شمالي العراق من تركيا في عام 2003. وذكر الكاتب أن أردوغان خرج منتصرا في سلسلة من المناوشات مع العلمانيين بسبب قضايا مثل الحجاب وتربص بصبر لقيادة الجيش لكي تقع في خطأ، وهو ما حدث عام 2007 عندما حاولوا معاداة وزير الخارجية عبد الله غل، الذي صار رئيسا بعد ذلك. وهدد موقع إلكتروني تابع للقيادة العامة باتخاذ إجراء عسكري إذا ما صوت البرلمان لصالح غل وعندها دعا أردوغان إلى انتخابات عامة سريعة فاز على إثرها حزب العدالة والتنمية بنسبة 47% من الإصوات. ومنذ عام 2007 قطعت حكومة أردوغان شوطا طويلا في وضع الجيش تحت سيطرة مدنية. وختم كوكبرن بأن الحروب الإسرائيلية في لبنان عام 2006 وغزة عام 2008 قوضت شعبية إسرائيل في تركيا. وكان لانسحاب أردوغان من جلسة في قمة دافوس -عقب عدم السماح له بالرد على مبرر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في قصف غزة- أثره الشعبي الكبير في تركيا حيث استمد أردوغان قوته آنذاك، والآن من أغلبية الأتراك الذين وقفوا وراءه.