على الرغم من مرور ثلاثة عقود من الزمن على زلزال الأصنام الذي هز المدينة و ضواحيها في العاشر من شهر أكتوبر من سنة 1980 إلا أن سكان الولاية ممن عايشوا النكبة مازالوا يتذكرون الواقعة بكل حيثياتها و تفاصيلها لهول الكارثة التي أتت على الأخضر واليابس، إذ دمر الزلزال الذي قدرت شدته ب 5 .7 درجة على سلم ريشتر أكثر من 29 ألف سكن عن آخره وتضرر جزئيا أزيد من 24 ألف سكن فيما انهار 212 مرفق عمومي كليا، كما تسببت الكارثة في هلاك 3 آلاف شخص على الأقل ونكبة أكثر من 20 الف عائلة حيث تشرد آلاف الأشخاص ووجد الأطفال والشيوخ والنساء أنفسهم في العراء وسط الدمار. نكبة لن تنسى ومع أن ذكرى الزلزال مازالت محفورة في أذهان السكان كما هي محفورة في مخيلة كل الجزائريين الذين تابعوا الكارثة من قريب أو بعيد إلا أن سكان الشلف لم يعودوا يبكون موتاهم ومفقوديهم بحلول ذكرى زلزال أكتوبر بقدر ما يبكون كلما حلت الذكرى حالهم من كارثية الوضع الذي آلوا إليه في ظل استمرار شبح البناءات الجاهزة التي مرت على إقاماتها ثلاثة عقود من الزمن. فلم تعد مأساتهم متعلقة بالماضي البعيد وبضحايا الفندق والمونوبري الذي قبروا جماعة بل تكمن مأساتهم الحقيقية في المصير الضبابي الذي ينتظرهم، فبالرغم من أننا نعيش اليوم الذكرى الثلاثين لزلزال الأصنام إلا أن آثار النكبة مازالت قائمة من خلال استمرار المنكوبين في العيش بالشاليهات التي يفوق عددها 18 ألف شاليه، بلغ أغلبها درجة متقدمة من التدهور و الإهتراء، فأضحت مصدرا للأمراض و الأوبئة و لعل الإنتشار الرهيب لأمراض الحساسية و مرض السرطان في أوساط العائلات الشلفية يعتبر أحد تلك النتائج الوخيمة المترتبة عن تأثير مادة الأميونت التي تحتويها معظم تلك الشاليهات. و ما يدعو للقلق فعلا هو استمرار الوضع على حاله و تفاقم الأخطار الصحية خاصة أن الجهات المسؤولة لم تفلح بعد في وضع حل نهائي لأزمة الشاليهات بالشلف و باءت كل محاولات طي هذا الملف الحساس بالفشل، كما أدت بعض محاولات المسؤولين خلال السنوات القليلة الماضية إلى تفجير الشارع الشلفي و نذكر في هذا السياق بأعمال الشغب التي اجتاحت بلدية الشطية و عاصمة الولاية يومي 27 و28 أفريل من سنة 2008 باعتبارهما تضمان أكبر عدد من البناءات الجاهزة حيث حطم سكان البناءات الجاهزة و أحرقوا عشرات الهياكل و المرافق العمومية مخلفين خسائر بالملايير إذ أحرقوا جميع المكاتب البريدية وكذا عدد من البنوك و مقرات العديد من المديريات ومقر مؤسسة توزيع الغاز والكهرباء والمتحف الجهوي و مستودع للأدوية والمواد الصيدلانية. وإضطرت مصالح الأمن على إثر ذلك إلى توقيف حوالي 130 شخص أحيلوا على العدالة و ظلوا رهن الحبس المؤقت لمدة حوالي سنة قبل أن يتم الفصل في جميع قضاياهم التي تعددت بين التجمهر غير المسلح إلى الحرق و تحطيم أملاك عمومية و السرقة إلى غير ذلك من التهم الموجهة للموقوفين. و تعود أسباب تلك الأحداث التي أعادت مدينة الشلف إلى أجواء النكبة إلى رفض السكان لقرار المسؤولين الصادر آنذاك و القاضي بإعادة إسكان المستأجرين من سكان الشاليهات والمقدر عددهم بنحو 6300 عائلة في سكنات إجتماعية إيجارية بنيت لأجلهم بموجب مشروع خاص موله الصندوق العربي للسكن يتضمن إنجاز مدن جديدة بكل من الشلف والشطية على أن يتم استرجاع العقار الخاص بالمرحلين لإنجاز تجهيزات عمومية عليه خاصة أن عاصمة الولاية تشكو نقصا فادحا في العقار الخاص بالتعمير. اقتراحات مرفوضة غير أن السكان لم يهضموا هذا الإقتراح و رفضوه جملة و تفصيلا حيث إعتبروا أن ذلك القرار يميز بين المنكوبين فيجعل بعضهم مالكين ويقترح عليهم قروضا بفوائد مخفضة إلى 2 بالمائة و بعضهم الآخر مستأجرا فيجبره على الرحيل، فالقرار يعامل كل فئة حسب وضعيتها القانونية اتجاه الشاليه الذي تقيم فيه مع أن جميعهم منكوبو ذات الزلزال. وما جعل فتيل غضب الشارع الشلفي يشتعل في الواقع هو أن الإقتراحات المقدمة والقاضية بالترحيل جاءت في وقت كان فيه المنكوبون لازالوا يعيشون على وقع الخيبة التي أحاكت بهم بعد تراجع الحكومة عن قرار منحها لمبلغ 100 مليون سنتيم لفائدة جميع المنكوبين مع أن البرلمان كان قد صادق على هذه المسألة، وهذا ما جعل الإقتراح الآخير من قبل السلطات يفجر الأوضاع، حيث صمم رئيس تنسيقية سكان الأحياء الجاهزة السيد يعقوبي على موقف رفض الإقتراح المقدم للمنكوبين في وقت كان والي الولاية السابق قد اتخذ فيه كافة الإجراءات لمباشرة أشغال إنجاز المدن الجديدة وتوترت العلاقة بين الطرفين إلى درجة انسداد قنوات الحوار وأخذت المسألة منحى خطيرا حيث وجد ممثل السكان نفسه متابعا قضائيا من طرف مسؤول الولاية بتهمة إهانة موظف أثناء أداء مهامه إلى جانب تهم أخرى كالتحريض وكان يوم جلسة محاكمته هو نفس اليوم الذي أحرقت فيه المدينة إذ انطلقت المظاهرات من مقر محكمة الشلف لتجتاح على مدار يومين متواصلين مختلف شوارع وأحياء المدينة وتستهدف أهم المرافق والهياكل مما كلف الولاية عشرات الملايير خلال السنتين الماضيتين من أجل ترميم وإعادة بناء ما تم تخريبه. و في ظل امتناع السكان عن التنازل عن بناءاتهم الجاهزة و الإلتحاق بالعمارات التي تنجز لصالحهم تم تحويل هذه الأخيرة إلى سكنات اجتماعية إيجارية تضاف إلى رصيد الولاية لتعزيز هذا النمط السكني فيما بقي ملف البراريك عالقا، و اضطرت الحكومة بعد ساعات قليلة عن حدوث أعمال الشغب إلى إيفاد السيد دحو ولد قابلية إلى ولاية الشلف من أجل فتح أبواب الحوار و تجاوز مرحلة التشنج التي ميزت علاقة السلطات الولائية بالمجتمع المدني ونصبت على هامش ذلك لجنة ولائية يرأسها رئيس المجلس الشعبي الولائي تضم الأمين العام للولاية، نواب برلمانيين، أئمة و ممثلين عن المجتمع المدني قصد متابعة كل التفاصيل والبحث عن الحلول التي ترضي جميع الأطراف غير أن تلك اللجنة لم تكن بالقدر الكافي من الفعالية لإمتصاص سخط المتضررين وتسوية ملف الشاليهات بشكل نهائي، حيث تفاجأ السكان بقرار أخير لتعويضهم و القضاء على البناءات الجاهزة، و هو ذلك الذي ينص على منح المنكوبين دعما يقدر ب 70 مليون سنتيم، و هو القرار الذي لم يلق أي تجاوب من قبل سكان الشاليهات. إذ تشير آخر الإحصائيات إلى أنه من مجموع 18315 شاليه فإنه تم إيداع 580 ملف فقط لطلب الإعانة تمت المصادقة على 441 ملف و منحت مقررات التأهيل ل307 ملف من ضمنها، و في الوقت الذي اعتبر فيه المنكوبون أن الدعم الممنوح هزيل ، لا يسمن و لا يغني من جوع، خاصة في ظل جنون أسعار مواد البناء اعتبره المسؤولون مجرد دعم فقط إذ يتعين على المواطن أن يساهم من جهته بحصة مالية لإعادة بناء مسكن لائق. و هو ما أشار إليه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في الكلمة التي ألقاء بالمركز الثقافي الإسلامي في آخر زيارة حط فيها الرحال بالشلف.. أخطار الشاليهات ومهما يكن من أمر، فإن ما يعيشه منكوبو زلزال الأصنام من صراعات و تناقضات سواء فيما بينهم كمنكوبين تتباين فئاتهم ومستوياتهم المعيشية أو بينهم و بين المسؤولين فإن ما يحدث بالشلف هو نتيجة حتمية لتأخر المسؤولين في تجسيد المرحلة الثالثة لإعادة إسكان منكوبي زلزال 1980، فالبناءات الجاهزة التي أقيمت في مطلع الثمانينات كحل مؤقت لإيواء العائلات المشردة، عمرت ربع قرن كامل قبل أن يفتح ملفها مجددا بشكل جدي في سنة 2005 و يجدر بنا أن نعود في هذا الصدد إلى الأرشيف ونذكر بمختلف المراحل التي عقبت زلزال أكتوبر 1980 من حيث التكفل بالمنكوبين إذ تهاطلت المساعدات الإنسانسة على منكوبي زلزال الأصنام من داخل الوطن و خارجه لإمدادهم بالمؤونة اللازمة، ورسمت الحكومة بدورها آنذاك مخططا استعجاليا للتكفل بضحايا الزلزال عبر مراحل متتالية، حيث تضمن المخطط ثلاثة مراحل أساسية امتدت المرحلة الأولى منذ حدوث الزلزال إلى غاية نهاية شهر جانفي من سنة 1982 و شملت البحث عن المفقودين و إسعاف المصابين وإسكان المنكوبين في الخيم مع إحاطتهم بالرعاية الطبية من خلال تعزيز التغطية الصحية خاصة أن العديد من الأمراض و الأوبئة كانت قد تفشت وسط السكان بعد الكارثة في ظل انعدام النظافة و نقص المياه. و ظل المنكوبون عدة أشهر في الخيم إلى غاية إعادة إسكانهم في البناءات الجاهزة كأولى الأولويات التي تمحورت حولها المرحلة الثانية حيث تم توفير 20042 بناء جاهز حضري إلى جانب 21 ألف سكن ريفي لتعويض السكنات التي انهارت، و تدعم قطاع التربية ب 1706 قسم ابتدائي، 132 مطعم مدرسي و41 متوسطة، 08 ثانويات كما انجزت 08 مستشفيات ، 18 عيادة متعددة الخدمات و47 مركزا صحيا إضافة إلى 03 مدارس شبه طبية و فضاءات تجارية و تضمنت الأولوية الثانية للمرحلة الثانية من مخطط إعادة إعمار الولاية إنجاز العديد من مراكز التكوين المهني، 1600 محل تجاري، قاعتي سينما، وحدة رئيسية للحماية المدنية و استمر المخطط في تنفيذ أولوياته بشكل تدريجي إلى غاية توفير مختلف الضروريات للمنكوبين، و كان من المفروض أن تشمل المرحلة الثالثة و الأخيرة من المخطط إعادة إسكان المنكوبين في سكنات صلبة لائقة، غير أن تلك المرحلة الحاسمة لم تجسد لا في أوانها، ولا حتى بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن والدليل على ذلك هو أن منكوبي 1980 مازالوا قابعين بشاليهاتهم التي ربطت في الواقع بشبكات المياه و التطهير أعدت لتستخدم بشكل مؤقت فقط، غير أن تناسي المسؤولين المركزيين لهذا الملف الحساس، و توالي سنوات الجمر جعل ملف إعادة الإسكان حبيس الأدراج و لم يتجرأ أحد على إعادة فتحه من جديد إلا بعدما تعالت أصوات المنكوبين ليدقوا ناقوس الخطر الذي بدأ يحدق بصحتهم نظرا لتآكل تلك البناءات الجاهزة و انتهاء مدة صلاحيتها مطالبين بحقهم في إعادة الإسكان و بالإستفادة من التعويضات و حدث ما سلفت الإشارة إليه بعدما فتح الملف من جديد كما لو أن تلك الشاليهات تريد أن تبقى قائمة أبد الدهر كشاهد على زلزال أفنى آلاف الأرواح و دمر عشرات الآلاف من البنايات وألحق بالمدينة خسائر لازالت اثارها باقية في العديد من الزوايا.