نصف قرن من الإبداع والتألق تم بقسنطينة تكريم كل من الكاتبة زهور أونيسي والشاعر والأديب الراحل مالك حداد باعتبارهما أيقونتا الأدب المولودين بمدينة الصخر العتيق. وتميز حفل التكريم الذي احتضنه قصر الثقافة مالك حداد بحضور أفراد من عائلتي وأصدقاء هاتين الشخصيتين الأدبيتين بتقديم بيع بالإهداء لكتاب زهور أونيسي الصادر في أبريل 2015 عن منشورات ألفا بعنوان "الإمام عبد الحميد بن باديس و نهضة أمة: تاريخ حياة". وتعد زهور أونيسي من مواليد 1937 بقسنطينة التي عاشت بها إلى أن كبرت كاتبة وامرأة سياسية وكانت أول امرأة في الجزائر تمنح لها حقيبة وزارية. فزهور أونيسي...ابنة مدينة الجسور قسنطينة في ثورة التحرير الجزائرية،تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني،تقلدت مناصب عليا ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية،لم تقطع صلتها بجسر الكتابة الذي ظلت وفية لها،ليبقى جسرها الأساسي الذي تواصلت من خلاله مع الذين أجبوها وقرؤوا لها،فهي علما بارزا في تاريخ الجزائر الحبيبة فهي الأديبة التي كتبت أول رواية باللغة العربية "من يوميات مدرسة حرة"،هي المرأة المجاهدة التي سمت بنفسها إلى مصاف البطلات الجزائريات أمثال لالة فاطمة نسومر،جميلة بوحيرد،حسيبة بن بوعلي وغيرهن . كما ساهمت زهور في توعية المجتمع الجزائري من خلال ممارسة مهنة التعليم كما انخرطت باكرا في مجال الصحافة وهي أول رئيسة تحرير في مجلة نسائية في الجزائر.لكن الرحلة لم تكن سياسية خالصة بل كانت أدبية أيضا بحيث تعدد نتاجها الأدبي ليشمل القصة والمقالة الأدبية والرواية.وتعتبر الثورة الجزائرية نقطة أساسية في أعمالها المتعددة الأجناس حيث صدرت لها مجموعة قصصية أولى بعنوان "الرصيف النائم" (1967م) تضمنت ست قصص ذات طابع واقعي بحت يعكس يوميات الثورة التحريرية ومعاناة الشعب الجزائري حيث أبرزت دور المرأة المناضلة من أجل القضية الوطنية. تواصلت تأثيرات الثورة في إنتاجها الموالي حيث نلمس في مجموعتها القصصية الثانية "على الشاطئ الآخر "(1974م) الالتزام بالوطنية رغم الظلم والاضطهاد الممارس على المرأة من قبل المستعمر الفرنسي حيث أبرزت هذه المرة دورها الذي لا ينبغي أن يكون أقل حظا وأهمية من دور أخيها الرجل. ومن يتأمل هذه المجموعة القصصية سيلاحظ معاناة الرجل الجزائري هو الآخر من خلال ملامح البؤس لأجل الحصول على رغيف خبز خارج وطنه الأم. واصلت الأديبة زهور إخلاصها النضالي الثوري الذي جسدته في باكورتها الروائية "من يوميات مدرسة حرة" (1978م) والتي اعتبرها النقاد سيرة ذاتية قدمت من خلالها الكاتبة مرحلة من مراحل حياتها كمدرسة في قالب روائي يهدف بالأساس إلى توثيق مرحلة مهمة في الحياة، ومن يقف أمام هذا العمل سيتغلب عليه إحساس بواقع زهور الذي ولى ومضى وكأنه حقيقة يراها أمامه ويشعر بها ماثلة في ذهنه.إن استخدام الكاتبة لأحداث وشخصيات وأماكن ترتبط بحياتها الشخصية قصد تأليف روايتها الأولى يمثل ظاهرة لا يمكن أن تغيب على أي قارئ ملاحظ. فغالبية الكتاب ينطلقون في نصوصهم الأولى من كل ما يتصل بحياتهم الشخصية ربما لثقل الذاكرة بتلك الذكريات. فلا بد لكل كاتب أن يسعى للتخلص من ذلك الثقل في أعماله الأدبية الأولى فتتطهر مخيلته ليعمل على تشغيلها لاحقا بملكات التخيل،والكتابة عن الذات ممارسة يسيرة يتحسس الروائي من خلالها عالم الكتابة من خلال مرجعيته الذاتية و حياته الشخصية وتاريخه وعلاقته بالآخرين. السيدة زهور لم تقطع يوما صلتها بالكتابة الأدبية،وظلت تكتب وتنشر إلى الآن،فلقد عرفت بالكثير من الكتب،"الرصيف النائم"وهي مجموعة قصصية صدرت بالقاهرة سنة 1967م،"على الشاطئ الآخر" مجموعة قصصية صدرت سنة 1974م بالجزائر،"من يوميات مدرسة حرة" 1978م بالجزائر وهي أول رواية كتبها امرأة جزائرية،ثم"الظلال الممتدة" سنة1982م وهي مجموعة قصصية،و"لونجة والغول"وهي ثاني رواية لها صدرت سنة 1994م،ثم "عجائز القمر" 1996م وهي مجموعة قصصية ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان "روسيكادا" صدرت سنة 1999 م،ثم جمعت زبدة المقالات التي كتبتها في الأدب والسياسة والمجتمع في كتاب صدر سنة 1999 بعنوان "نقاط مضيئة"،ومن هنا نستخلص أن الجزائرية زهور أونيسي قد ساهمت في خدمة وطنها،وهذا ما نلمسه من خلال ما قدمته من إنتاج أدبي بقيم نبيلة تخدم الإنسانية. فكل قصة أو رواية كتبتها حفرت في مجرى التاريخ وستبقى في الذاكرة بعيدة عن الموت والاندثار،ولن يتجاوزها الزمن حتى ولو سعى البعض إلى ذلك لأن خفاياها تبقى نابضة بالحياة تشهد على أن الحقيقة التي تحملها لا تزال حية تفرض حضورها على المتلقي سواء كان عربيا أو أجنبيا،و يبدو أن جسر الكتابة هو الأقرب إلى وجدانها،ذلك الجسر الذي ربطها بالكثير من القراء الذين عرفوها منذ صدور كتابها الأول.