التعلم من الخطأ من أجل بناء مستقبل أفضل من المتعارف عليه في الساحة النقدية أن الأدب الروائي هو من الأجناس النثرية الأكثر استقلالية و شمولية لباقي الأجناس وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن بعض الروايات في الأدب الراهن تتضمن فنونا نثرية صغيرة أخرى، على غرار فن الخاطرة وسرد اليوميات المضمن في رواية "غرفة الذكريات" الصادرة في 2014 للكاتب الجزائري بشير مفتي، عن منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف. في هذه الرواية تأتي خواطر البطل عزيز مالك كتعبير عن كل ما يخطر في باله من أفكار ومشاعر سواء كانت عابرة و مؤقتة أم ثابتة و راسخة في هواجسه تؤرق حاضره وتنغص أفكاره. إذا لاحظنا تركيبة هيكل هذه الرواية وجدنا أن مجموعة الخواطر أو اليوميات التي تتخلل العمل لا تفسد مساره السردي أو الوصفي للأحداث بزمانها ومكانها و شخصياتها' لأنها تخص الشخصية الرئيسية أو المحورية: ذكرياته وأحلامه وتطلعاته ووجهة نظره تجاه ماضيه وواقعه المعاش بشتى أبعاده. و هذه التقنية هي بمثابة "وقفة" وهي حسب الأستاذ الناقد محمد بوعزة (ما يحدث من توقفات و تعليق للسرد، بسبب لجوء السارد إلى الوصف والخواطر و التأملات). إن اختيار الكاتب لهذه الخواطر وتضمينها لمؤلّفه جاء موفقا ومدروسا لأنه ينمّ عن صلة وثيقة بالعنوان: "غرفة الذكريات" إذ أن الخاطرة تعكس ما يدور في العالم الوجداني و الحميمي لصاحبها، فغالبا ما يخلد لكتابة خواطره في مكان مغلق عليه كالغرفة مثلا وما يكتبه ذو علاقة وطيدة بذكريات أمسه ويومه وما قد تفضي إليه من تغيرات يخمنها وتخطر بباله حول مستقبله القريب أو البعيد. ومهما حاول نسيان الماضي فإن محاولته تبوء بالفشل مادامت الذاكرة موجودة و واضحة كصفحة بيضاء كل ما يكتب عليها مقروء، كما نقرأ في هذه الأمثلة: -(كتبت في كراسة يومياتي:الذاكرة بيضاء و حمقاء.. أحس بأن جسدي يطير فجأة إلى أبعد نقطة في السماء، فأنظر إلى أسفل منشدا بلوعة و حرقة و هذيان: سأهجرك أيتها الأرض اللعينة...) ص 63.-(كتبت في كراستي: الذاكرة تتبخر في قبضة النسيان، تنتهي الحكايات و الأحلام، يدخل الليل إلى فسحة النهار و تنمحي الخطوات كأنها كانت و لم تكن...كأنها رحلت هي الأخرى في جبة العدم) ص 120. -(غرفة البار 2010 . أشعر بالخزن و الكآبة تتغلغل في صدري، كأن الذكريات تتدفق الآن مع حلم نقلها على ورق.) ص 121. - من دفتر يوميات عزيز مالك 26-10-2010 (حكايات لم تمت بعد، و لم ينته زمنها..تعيش حية نابضة متشوقة للخروج إلى حياة أخرى بعد أن غادرتها تلك الحياة الأولى) ص 209. "غرفة الذكريات" في مجملها تسلط الضوء على واقع المواطن الجزائري عمومًا و المثقف خصوصًا إبّان العشرية الأخيرة من التسعينات التي تميزت بأحداث صعبة و دامية في معظم مناطق البلاد و لهذا فإن الخواطر واليوميات جاءت كنصوص واصفة داخلية للرواية نفسها، وكتأكيد على أزمة المثقف و واقع الكبت والخوف الذي فرضته ظروف تلك الفترة الممتدة من انتفاضة ال88 إلى سنة 2000. فعدد الخواطر واليوميات الخاصة بالبطل هو اثني عشرة (12) وهي عدد سنوات الأزمة التي مرت بها الجزائر. والموضوع المُهيمن هو "المحنة" التي عصفت بالبلاد خلال الفترة المشار إليها، حيث فقد عزيز مالك معظم أصدقائه مثل الشاعر"جمال".إلا أنه بالرغم من نبرة التشاؤم لدى البطل السارد فإنه في آخر الرواية يبدوا طموحا إلى مستقبل أفضل من ذلك الواقع المرير الذي رواه في جلّ ذكرياته، مادامت الكتابة موجودة لتخفيف الآلام واستذكار الأصدقاء الغائبين واستحضارهم من عالم الموتى إلى عالم الواقع لإعطائهم فرصة البوح و القول من جديد في فسحة الأدب، تحت ضوء تحمّس عزيز مالك لكتابة رواية ذكرياته بعدما بلغ العقد الخامس من عمره: " أنا صوتكم لكي تخرجوا من الظلمات إلى النور، ومن ضيق وحشة القبر إلى فسحة رواية الحياة والخيال) ص 176. (بدأت حياة جديدة سعيدة مع أخواتي البنات، لأن والدي لم يرزق بذكر، ولم يشعر بالحسرة على ذلك) ص 181. وفي آخر صفحة من الرواية، يعود البطل إلى الحلم بغد أفضل مع رسالة حبيبته "ليلى" بعد طول غياب وانقطاع (لكن بعد سنوات من الظلمة واليأس أعادت لي رسائل ليلى مرجان الرغبة في الحلم من جديد) ص 231. وفي هذا رسالة إلى كل شخص ألا يستسلم للتشاؤم جراء الأحداث الصعبة وأن يتعلم من الخطأ من أجل بناء مستقبل أفضل.