تعتبر هجومات الشمال القسنطيني من بين أحد الأحداث و المنعرجات الهامة في مسار ثورة نوفمبر 1954 لما كان لها من تأثير داخلي و خارجي فعلى الرغم من بشاعة رد الإستعمار و ارتكابه لمجازر بشعة في حق المدنيين و الأبرياء إلا أنها كانت بمثابة الصفعة القوية التي هزت ثقة الجيش الفرنسي بنفسه و إدراكه بقوة الثورة القادرة على ضرب مصالحه كما أنها كانت برهانا كافيا لأن يعي العالم بأن ما يجري في الجزائر ما هو إلا ثورة يحتضنها شعب بأكمله في ظل الصدى الدولي الذي حققته هذه الهجومات التي لم تأت إلا لتحبط مساعي العدو و لتصنف أحداثها ضمن حركات التحرر. و تعد قسنطينة من بين الولايات التي شهدت الأحداث البطولية التي خطط لها الشهيد البطل زيغود يوسف إذ تجمع مالا يزيد عن 500 فرد في جبل الوحش كما بلغ عدد المتطوعين حوالي 350 فردا جاءوا من مناطق عدة و في سرية تامة و في ظروف جيدة تم التحضير للهجومات حسب المخطط المتفق عليه في الاجتماع الزمان بالحدائق و كانت الأهداف المحددة تتمثل في الهجوم على جميع المواقع العسكرية من ثكنات و مراكز الشرطة و المؤسسات الاقتصادية و معاقل الأوروبيين على أن يتم الهجوم في وضح النهار حتى تشاهد الجماهير جنودها و تلتحم معهم لرفع المعنويات و تحطيم قوة العدو الفرنسي. الذكرى التاريخية المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955 و مؤتمر الصومام سنة 1956 لا تمر مرور الكرام بقسنطينة إنما يتم الاحتفال بالمناسبتين الثوريتين بطابع مميز حيث لا يفوت عدد من المجاهدين منهم من عايشوا الحدث و شاركوا في بطولاته فرصة إحياء هذه الذكرى التي يسترجعون من خلالها تلك النضالات الدامية و التضحيات التي قدمها الأبطال في سبيل التأكيد على شرعية و شعبية ثورة نوفمبر 1954 و كسرا للحصار الذي حاولت فرنسا فرضه على الجزائر دوليا. و على إثر هذه المناسبة المباركة نظمت أمس الأول المديرية الولاية لمنظمة المجاهدين بقسنطينة ندوة تاريخية احتضنتها جامعة العلوم الإسلامية الأمير عبد القادر حول النضال المغاربي المشترك وذلك بحضور الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السيد السعيد عبادو, إضافة إلى وفد مغاربي منهم مصطفى الكثيري و محمد أجار وسعيد بونعيلات رئيس المجلس الوطني و أعضاء الوفد المغربي لقدماء المقاومين ناهيك عن أعضاء من الوفد التونسي و مجاهدين ممن عايشوا هجومات 20 أوت 1955 و هي الندوة التاريخية التي نظمت برعاية سامية لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الشرفي للمنضمة الوطنية للمجاهدين و شارك في إحياءها كل من المملكة المغربية والجمهورية التونسية حيث أكد السعيد عبادو خلالها على وحدة الهدف و المصير و باختيار الكفاح المسلح والمباشر الذي كان في الفاتح من نوفمبر 1954 في الجزائر وقبل في كل من تونس والمملكة المغربية للتخلص من الاستعمار و الاستبداد,كما أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين أن أحداث 20 أوت 1955 جاءت أيضا لتدعم الملك محمد الخامس الذي تم نفيه كما عبرت عن وحدة الهدف و المصير و أبطلت رهانات العدو بفضل الضغط البطولي للثوار في بلاد المغرب العربي. * ضربات موجعة لفرنسا وزيغود يوسف أعطى دروسا لا تنسى جريدة الجمهورية اقتربت من بعض المجاهدين أبطال الثورة الجزائرية و كانت الصدفة بأن اجتمعنا بمن شاركوا في هجومات 20 أوت 1955 و كانوا عناصر فعالة في تنفيذ قرارات قائد منطقة الشمال القسنطيني زيغود يوسف حيث سردوا تفاصيل الإعداد للانتفاضة بدءا من التجنيد العملي و التنظيم و كيفية الهجوم على المناطق الإستراتيجية المقصودة وصولا لتنفيذ الهجومات و خلفياتها,المجاهد مجراب صالح المولود بتاريخ 1928 كشف لنا عن تفاصيل الانتفاضة المنظمة و التي ارتبطت تاريخيا بالفاتح من نوفمبر 1954 حتى يتم التأكيد على شرعية الثورة و شعبيتها خاصة و أن فرنسا أنداك كانت تزعم بأن ما وقع بعد نوفمبر ما هو إلا عمل متمردين و قطاع طرق و لصوص فكان الحل هو أن يتم ضرب مراكز فرنسا الحساسة في عدة ولايات و مناطق متعددة و في وضح النهار تحديدا,العمليات التي انطلقت دفعة واحدة بسكيكدة, القل, قسنطينةقالمة و بعدد كبير من المناطق كالحروش ,الميلية, عين بوزيان الخروب, عين اعبيد و غيرها من المناطق كانت حسب المجاهد قوية و موجعة للعدو رغم سقوط العشرات من الشهداء و رغم بساطة الإمكانيات مقارنة بفرنسا,و عن المنطقة التي شن بها الهجومات رفقة زملائه المجاهدين كشف لنا عن تواجده أنداك بالمنطقة المسماة مشاط بالميلية أين أسقط عدداً من الأشجار ليتم قطع الطريق بها مما ساعد منفذي الهجمات من المجاهدين في الهروب من ملاحقات المستعمر كما استذكر اليوم الثاني من الهجوم الذي تم فيه استشهاد البطل قليل زيدان بطريق منطقة أولاد العربي حيث إستهدفته طائرة عسكرية,هذا وقد اعتبر المجاهد مجراب صالح البطل زيغود يوسف من بين أحد القادة العظام و الشخصيات الثورية التي امتازت بالشجاعة و القوة و الذكاء حيث كان يعطي المجاهدين دروسا في الحنكة كما أنه علمهم الكثير ففي إحدى المرات و أثناء قيام أحد المجاهدين بعملية الحراسة بأحد الجبال تنكر زيغود يوسف بلباس من أغصان الشجر حتى أمسك المجاهد من الخلف وهنا لينذرهم من مكر العدو و ليعلمهم اليقظة كما كان يجبرهم على إيجاد الحلول مهما كانت, المجاهد أكد لنا أنهم لم يخونوا الرسالة فهم حملوا الثورة على أكتافهم حتى سلموا الشعب الجزائري حريته و أمانته الغالية و لا يتمنى غير أن يكون جواره مع الشهداء في الجنة . * المجاهد بو لحليب السعيد هجومات 20 أوت غيرت مسار حياتي و جعلتني أنضم للثورة المجاهد بو لحليب السعيد يعد من بين أولئك الذين تأثروا بهجومات 20 أوت 1955 و تحولوا بسببها لأبطال بعد أن انخرطوا في صفوف الثورة الجزائرية فهو من مواليد سنة 1936 بقسنطينة و قد كشف لنا عما اختلج صدره في هذا التاريخ تحديدا أين كان في سن التاسعة عشر و كان طالبا قبض عليه بالقرب من مسكنه بباب القنطرة من طرف عسكريين حاصروه عند حالة الإستنفار التي سادت بعد إنطلاق الهجومات و كانوا سيقتلونه وقتها الا انهم أطلقوا سراحه بعد أن تبين لهم أنه مجرد طالب و لا علاقة له بالأحداث الجارية وقتها حيث رجع إلى منزله و هو يستشعر أحاسيس غريبة بسبب هذه الأحداث التي أكد أنها أترث فيه أكثر من تأثيرات اندلاع ثورة التحرير الكبرى وهو ما جعله يتصل بالشهيد الحسن بن جاب الله و قال له أنه يريد الانخراط في الثورة وهنا بدأ النضال بعد أن سلمه مركز سيد أحمد بو معزة السلاح و أصبح من الفدائيين حيث نفذ العديد من العمليات منها جلب الأدوية ,إضعاف اقتصاد فرنسا بتفجير وحدة «باستوس» للسجائر و غيرها من التعليمات قبض عليه في 13 ديسمبر 1956 تم تعذيبه و حكم عليه بالإعدام, سجن بالقصبة وشهد على عمليات إعدام الكثير من الأبطال, نقل إلى سجن باتنة و تم نقلهم في الخامس من ماي سنة 1962 و كتب له العيش بعد أن كان ينتظره حكم الإعدام ليعيش مرحلة الاستقلال و يتذوق طعم الحرية و يسجل من بين الفدائيين وهذا كله يرجع إلى تاريخ هجومات 20 أوت التي كانت حسبه سببا في تحوله إلى فدائي ثورة التحرير. المجاهد رمضان بصلي نفذنا العمليات بوسائل بسيطة و نجحنا في ترهيب العدو التقت جريدة الجمهورية تزامنا و الذكرى ال 60 لهجومات الشمال القسنطيني التي غيرت مسار ثورة الفاتح نوفمبر 1954 و جعلتها تتخذ منحنى آخر أكثر جدية و أكثر قوة خاصة و أنها وضعت خطا أحمر فاصلا بين من يريد الكرامة و العودة إلى سيادة الأمة و بين الخونة و العملاء و الجبناء و الراضخين للاستعباد إلتقت بعدد من المجاهدين الأبطال و الفاعلين حيث تأتي شهاداتهم اليوم واضحة و صادقة دون مبالغة سيما و أنهم عاشوا أحداثها بكل تفاصيلها و شاركوا في بطولاتها في أقسى الظروف,المجاهد رمضان بصلي أو العود كما يسمونه الذي فتح قلبه و أدلى بشهادته لجريدة الجمهورية كان من بين أحد المجاهدين الذي عاش و نفذ هجومات الشمال القسنطيني بولاية قسنطينة تحديدا حيث روى تفاصيل ما قبل و بعد العملية البطولية إذ كشف لنا أنه كان كدليل مسير ثم تم إعطاؤه مسؤولية جمع المال,التمويل و الاتصالات و كان ينفذ عمليات هجومية لكن هجومات 20 أوت كانت أقواها,كان في ذلك الوقت يبلغ من العمر 24 سنة يعمل بطريقة سرية ضمن الثورة و كما هو معروف كانت الولاية الأولى الأوراس تعاني من الحصار الخانق فجاءت الرسالة من الشهيدين شيهاني بشير و مصطفى بن بو العيد إلى البطل زيغود يوسف للتفكير في حل لفك الخناق على الأوراس و هنا تم التفكير و التخطيط لهجومات 20 أوت التي جاءت بطريقة سرية و بعدها إجتمع بأعضاء ثمانية ولايات منهم شيخ بولعراس,بن طوبال,صوت العرب بوبنيدر,علي منجلي,علي كافي و غيرهم من مسؤولي الولايات أين حددوا أماكن الهجوم و حصروا الطبيعة الجغرافية من أين و متى و كيف تتم العملية و الوسائل المتاحة لتنفيذها,في يوم 18 أوت صرح المجاهد رمضان بصلي أن مرسول جاءه من قبل الشهيد المجاهد حموا بالحرش مع أحد المجاهدين أين أخبره أن حموا يريدك أن تأتي إليه فلبى النداء إمتطى فرسا و تنقل من مشتته المسماة قشقاش بالخروب إلى مشتة العرايك التي تبعد بحوالي 2 كلم و عند وصوله وجده يعاني من أوجاع برجله فحاول أن يجلب له الدواء بعدها تم نقله لمركز إيواء بواد رحمون ليلة التاسع عشر و لم يتم إخباره بالعملية و في يوم 19 مساء و بينما كان يقوم بعملية الدرس جاءه مرسال من المجاهد عمار بولمهاد تنقل للمشتة و التقى به رفقة حوالي 5 أو 6 مجاهدين كانوا معه و هنا سلمه رسالتين واحدة يسلمها بمنطقة الفيرمة و الثانية بمشتة جوابلية تسلم الرسالتين إمتطى فرسه نقل الأولى و سلمها إلى المجاهد السعيد القتال و الثانية بمشتة الجوابلية أين سلمها إلى المجاهد بو جمعة منايفي و عاد لملاقاة المجاهد بو لمهاد بناءا على طلبه له بالرجوع عند تسليم الرسالتين و الانتهاء من المهمة عاد وهو لا يعلم بأمر هذه الهجومات و في اليوم الموالي أي 20 أوت على الساعة العاشرة بينما كان يزاول نشاطه في الأرض لاحظ المجاهدين يسيرون مجموعات ذاهبين للهجوم,تنقل المجاهد بصلي رفقة طفل اسمه أحمد بن ربعي إلى مشتة بالكواش وجد عددا من المجاهدين يحملون أسلحة منها خناجر و سكاكين و معهم بنادق و عند الوصول إلى منطقة قريبة للمكان المسمى الفيلاج بوسط بلدية الخروب تم إخباره بالهجوم على المراكز و الثكنات العسكرية للعدو وهنا تفاجأ كثيرا و استغرب كيف لهم أن يهجموا على مراكز و ثكنات الاستعمار بوسائل بسيطة, بدأ توافد المجاهدين منهم من جاءوا عبر الطريق الوطني ومنهم على طريق الكومينال و بعد لحظات اندلعت النيران و بدأ صوت الرصاص و انطلقت الهجومات التي شارك فيها الشعب ثواره في كل مكان, وبعد الانتهاء عاد الكل أدراجه منهم من استشهد و تواصل الهجوم على مدار ثلاث أيام زادت من جنون فرنسا التي حاولت الرد و الانتقام بوحشية, أما بالنسبة للمجاهدين و الثورة فإنها كانت نباتا ضرب بجذوره و علا في سماء التحدي لتكون مرحلة جديدة و عهد جديد يسير نحو الحرية و الاستقلال لا محالة.