تفاقمت حدة ظاهرة انتشار البيوت القصديرية بعاصمة الغرب الجزائري "الباهية إلى درجة أن التجمعات السكنية الفوضوية التي ولدت صغيرة خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي ، أصبحت في أيامنا هذه في مرحلة "الشباب " وزادت حيوتها وقوتها لتصبح خارج السيطرة وأضحت التجمعات القصديرية خاصة الواقعة غرب مدينة وهران تظهر عبر موقع "GOOGL EARTH" بشكل واضح جدا لتشوه بذلك صورة وهران حتى عبر الفضاء ، بعد أن شوهها حزام ضخم من المنازل القصديرية يحيط بالحاضرة المتوسطية ، ويخنقها انطلاقا من أعالي سيدي الهواري وصولا إلى بوتليليس أقصى غرب الولاية الظاهرة وُلدت صغيرة وتفاقمت نتيجة التهميش في الأرياف ويجمع العارفون بملف البناءات القصديرية والتجمعات الفوضوية التي ظهرت في الجزائر خلال فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي ، في تحليلاتهم للظاهرة أن "المرض " كان أشبه بزكام عابر في سنواته الأولى وكان يمكن لمعالجة بسيطة خلال تلك الفترة أن تقضي عليه ، لكن تراكم المشاكل وتداخل الأولويات وتخبط الجهات الوصية في اتخاذ القرار ساهم في تفاقم الظاهرة ، التي بدأت بعد نزوح سكان الأرياف المحيطة بالمدن الكبرى هروبا من الهاجس الأمني وبحثا عن الأمان فقط ، لتنقلب المعادلة بعد انقشاع الضباب ، وانقضاء العشرية السوداء أين فرضت تلك التجمعات السكنية الفوضوية نفسها وبدا السكان المنحدرون من ولايات أخرى يبحثون عن الاستقرار وفرص الشغل بدلا عن الأمن هذه المرة خصوصا وان فرص الشغل انعدمت في ولايات الداخل الجزائري، وتوفرت بالمدن الكبرى بعد خروج البلاد من النفق ، مما سمح باستقطاب الآلاف من السكان إليها في موجات هجرة ونزوح غير مسبوقة لدرجة أن الحكومة عجلت ببرمجة مشاريع تحفيزية لتشجيع سكان الأرياف على العودة إلى أرزاقهم ومنازلهم ومزارعهم التي تركوها في زمن "الإرهاب" ورفضوا العودة إليها في آخر المطاف بعدما تأقلموا مع الأوضاع الجديدة ووجدوا فرص عمل ومقاعد دراسة قريبة لأبنائهم ومستوصفات ووسائل نقل عصرية، وكهرباء ومياه تسيل من الجدران بدل المنابع البعيدة في قراهم لزوجاتهم وعجائزهم ،ليستقروا بعدها بل وبدا بعضهم في وصف هذه "الجنة " لأقاربهم ممن رفض مغادرة الريف في زمن الأزمة وشجعوهم على اللحاق بهم حتى جروهم إلى المدينة لتبدأ حكاية أخرى وكعينة على حقيقة ما يحدث في هذه الأحياء القصديرية وأسباب وعوامل توسعها الحقيقية التي تتشابه حسب علماء الاجتماع في كل شيء فضلنا أن نأخذ حي بوعمامة أو الحاسي الذي يقع في المخرج الغربي لوهران ، ويحيط به حزام قصديري يبدأ من حي اللوز ويصل إلى غاية حي بن عربة "الروشي" كعينة سماسرة و بطالون قطعوا الأشجار وأسسوا تجزئات عقارية وبعد أن استقر الجميع عقب انقضاء الأزمة الأمنية نهاية التسعينيات ورفضهم العودة إلى الأرياف ودخول سنوات 2000 ، ازدادت الظاهرة تفاقما وبدأت تخرج عن السيطرة شيئا فشيئا ، فظهرت مجموعات شبانية أسست هيئات على شكل مديريات تعمير موازية ، وشركات مصغرة للترقية العقارية على حساب أملاك الدولة والأحراش الغابية، التي راحت ضحية جشع السماسرة ، وبدأت هذه المجموعات الشبانية في رسم معالم حدود القطع الأرضية التي يتم عرضها للبيع لاحقا ، عن طريق عدة أساليب ، ويعرف هذا النمط التعميري الجديد الذي اهتدى له أبناء سكان الأحياء القصديرية بمصطلح "التراساج " ، حيث تجتهد المجموعات الشبانية في قطع الأشجار وإزالة الصخور الكبيرة وحرق الأحراش ، وشق الطرق للجرارات الفلاحية التي تعد احد أسباب "ازدهار " هذا النشاط ،وساهم الجرار الذي يشبه الدبابة ومحركه القوى الألماني الصنع في إيصال مواد البناء إلى عمق الغابات بسهولة ومن بعد ذلك يتم تشييد منازل مترامية الأطراف ، بشكل متعمد على حواف القطع الأرضية الشاسعة المراد "تعميرها" وبعد ذلك يتم تشجيع السكان على شراء قطع الأرض التي أٌعدت للغرض نفسه ، حيث يضمحل تخوف المشتري من الغابة بعد أن يرى منازل بعيدة عن منزله ،ومتغلغلة في الغابة وبهذه الطريقة يتم إعمار المكان قبل أن يبدأ سكانه بتوفير الضروريات حيث يشقون الطرق ، وينجزون شبكات الصرف الصحي عن طريق ما يسمى ب"التويزة " ويجمعون الأموال لإيصال الكهرباء والماء الشروب عن طريق القرصنة إلى منازلهم ، وكل ذلك يحدث في وضح النهار ،وهكذا إلى أن تشكلت مع مرور الزمن أحياء وقرى بحجم بلديات صغيرة ، وسط غياب تام للرقابة ، وفي العديد من المناطق ساهم "سماسرة عقاريون " يأتون من مناطق بعيدة ويستثمرون أموالهم بانجاز منازل قصديرية على قطع الأرض تلك التي اشتروها بأثمان بخسة وصلت إلى 3 ملايين سنتيم أو 5 ملايين سنتيم في نهاية التسعينات ،ووصلت في سوق "العقار الفوضوي " هذه الأيام إلى 20 مليون سنتيم للقطعة الأرضية الواحدة وبعد شراء تلك القطع يستثمر هؤلاء السماسرة ، ويشيدون منازل ليس للإقامة فيها بل بغرض بيعها و "الحصول على الفائدة" التي يشيدون بها منازل أخرى على نفس منوال شركات الترقية العقارية ،ويبلغ سعر المنزل المتوسط المساحة حاليا 100 مليون سنتيم بينما لا يقل ثمن الأكواخ المتوغلة في الغابات عن 50 مليون سنتيم ، وهكذا إلى أن تشكلت معالم قرى بأكملها أوصل سكانها بسواعدهم شبكات الماء والكهرباء ولم يتبق سوى الغاز ،وشقوا الطرقات وسط الأحراش حتى أن السيارات الفاخرة أصبحت تركن أمام منازلهم و لا تزال هذه الأحياء تتوسع إلى يومنا هذا وبنفس الطريقة وبذلك تشكل "دوار التيارتية " الذي أصبح اليوم بتعداد سكاني يضاهي بعض البلديات النائية ، ووصل حاليا إلى مشارف حي الروشي ويكاد يهدد الغابات المطلة على الطريق الولائي رقم 98 بينما يظهر التجمع القصديري بشكل واضح ويشوه الطريق الولائي رقم 44 الرابط وهران بعين الترك عبر "حي كوكا" انتعاش الهجرة غير الشرعية للافارقة زاد من توسع "القصدير ولم تقتصر أسباب تفاقم وتضاعف أعداد البنايات القصديرية بوهران على استرزاق البطالين ببعض الملايين لقاء بيع قطع أرضية غابية بعد "تهيئتها" بل تفاقمت الأمور أكثر بعد انفلات الأوضاع في جمهورية مالي، والنيجر واندلاع الحرب التي رفعت أسهم الهجرة غير الشرعية للشباب الإفريقي نحو بلدان الشمال الإفريقي ، سعيا وراء الحلم الأوروبي ، ولعل القارئ يتساءل ما العلاقة بين هذا وذاك وقد لا يصدق أن سبب انتشار البيوت القصديرية ، بل وارتفاع بورصتها كان "افريقيا" في المرحلة الراهنة عكس تسعينيات القرن الماضي أين نزح سكان أرياف الجزائر إلى المدن الكبرى وشيدوا تجمعات قصديرية ، شكلت نواة أولى لهذه التجمعات السكنية وبدا الأفارقة بعد أن حلوا بوهران بشكل شرعي أو غير شرعي بالبحث عن منازل أو فنادق لاستئجارها ، لكن أعدادهم الكبيرة لم تستوعبها البنايات التي يفضل سكانها استئجارها في وسط المدينة ،ليبدأ السماسرة استقطابهم نحو التجمعات القصديرية الكبرى بوهران التي يُخيًل للمتجول فيها انه في أزقة مالاوي أو النيجر ، نساء يحملن أطفالهن بالطريقة الإفريقية ، ويرفعن قوارير المياه و"القصع" فوق رؤوسهن ،ومجموعات شبانية افريقية تستمتع بأنغام "بوب مارلي " ويلبسون ثيابا وأقمشة مزركشة وموسومة بصور زعماء افريقيا ، وتعددت جنسيات الأفارقة بهذه الأحياء فتجد من جاء من الموزمبيق ، ومن قدم من مالي ومن سيراليون ، ونيجيريا وحتى ليبريا وسيراليون البعيدتين والواقعتين تحت خط الاستواء ، وعرف سكان التجمعات القصديرية في الحاسي كيف يستثمرون هذه الفرصة جيدا فبدا نشاط استئجار الأكواخ لمجموعات الأفارقة ينتعش لدرجة أن الناس بدأت تقترض من بعضها البعض لتشييد أكواخ واستئجارها لمجموعات الشباب الإفريقي الباحث عن لقمة العيش في غالب الأحيان عن طريق العمل في قطاع البناء حيث يتجمع هؤلاء الشبان جماعات جماعات تتكون من 4 إلى 6 أفراد يتعاونون على ثمن كراء الشقة أو المنزل التي تصل إلى 8000 دينار شهريا وأصبح إيجاد شقة للكراء في "الحاسي " ضربا من ضروب المستحيل بالنسبة للعائلات المحلية بعد أن استأجر الأفارقة كل الشقق والمنازل بل وأصبحوا أغلبية في بعض الأجزاء من الحي على غرار " الوادى" الذي قد لا تصدق عينيك انك في الجزائر في حال تقاطعت الصدف ووجدت نفسك هناك عائلات افريقية بأكملها ، شباب ، رضع ، شيوخ ، نساء ، فتيات ، ولدرجة "كثرة " الأفارقة تزوج العديد منهم بجزائريات ودخل بعضهم في الإسلام وأصبح العديد منهم يتقنون العربية لكي لا يتعرض لهم المنحرفون "بسوء " وهكذا تزايد حجم دوار "الوادي" وكوكا وأصبح بحجم بلدية بدوره لان بناء المنازل الفوضوية واستئجارها للأفارقة " نشاط مربح " توسع دوار العرايس في فترة زمنية قصيرة وبعد مساهمة السماسرة، والبطالين ،وسكان الأرياف ،والذين يعانون أزمة السكن ، والأفارقة في آخر المطاف ، جاء دور الجهات الرسمية للمساهمة بدورها في تفاقم الظاهرة "عن غير قصد " إذ بمجرد أن سمع الناس في هذه التجمعات القصديرية آنذاك بان البلدية تقوم بإحصاء المنازل الفوضوية تمهيدا لترحيل سكانها إلى عمارات لائقة حتى سال لعاب السماسرة من جديد وانتشرت أخبار الإحصاء الذي جرى في سنة 2007 في أرجاء وهران كلها بسرعة البرق ، ليحدث ذلك مفعولا عكسيا فلم تكد سنة 2007 تنقضي حتى تضاعف عدد المنازل القصديرية لدرجة أن الإحصاء بحد ذاته عجز عن مهمته ، وهرول المئات من الشباب البطال ، وغير البطال وحتى ميسوري الحال الذين يملك آباؤهم محلات تجارية وسيارات فاخرة ، لتشييد منازل فوضوية ليلا ونهارا لعل عملية الإحصاء تشملها ولعلهم يظفرون بسكن ، بل حتى أن بعضهم خرج من المنزل العائلي وقدم الكثير من الشباب والأشخاص من ولايات أخرى في موجة هجرة جديدة إلى وهران حينئذ ،وهكذا شيد في احد الجروف بمنطقة كوكا تجمع سكني فوضوي في ظرف 15 يوما فقط وسماه السكان حينها "دوار العرايس" نسبة لكثرة حفلات الزفاف بالمنطقة بالتزامن مع إحصاء 2007، القصدير يلتهم 1000 هكتار عبر 150 موقع في 23 بلدية ولم يخف رئيس المجلس الشعبي الولائي لوهران امتعاضه عند عرض الإحصائيات الخاصة بعدد المنازل غير الشرعية خلال فعاليات يوم دراسي بادر به المجلس حول نفس الظاهرة ، مؤكد أن الأرقام تبقى بعيدة كل البعد عن الحقيقة باعتبار انجاز الإحصاء العام للسكان والسكن كان سنة 1996 وبحكم تضاعف أعداد المنازل والأكواخ الفوضوية 3 مرات مع مرور الزمن لتصبح اليوم تلك التجمعات الصغيرة في 1996 بحجم بلديات من حيث التعداد السكاني ،مما يفرض تحيين تلك القاعدة الخاصة بالمعطيات التي يمكن بعدها استغلالها في برمجة مشاريع سكنية للقضاء عليها نهائيا ،وتشير الإحصائيات الرسمية التي تحوز عليها ولاية وهران إلى وجود 150 حي فوضويا في 23 بلدية تتزعمها بلدية السانيا التي تضم 60 حيا فوضويا تتوسع من يوم لآخر ، ببنما تأتي بلدية وهران في المرتبة الثانية من حيث عدد المواقع ب32 موقعا على رأسها حي الصنوبر ، شاباط ، رأس العين ، كوشة الجير ، ارض حسان ، ارض جاربو ، التابعين للقطاع الحضري سيدي الهواري والبدر ، و دوار B ودوار A الواقعين بحي اللوز ناهيك عن حي كوكا والوادي والرونكا ، ودوار التيارتية والشاطو التابعين للقطاع الحضري بوعمامة ، وتضم هذه التجمعات القصديرية أعدادا لا تحصى من المنازل الفوضوية قدرت حسب إحصائيات 2007 ب18000 منزل لكن الاسمنت المسلح استمر بالزحف بعد 2007 على الغابات المجاورة لحي اللوز والحاسي و الروشي أين أصبح التجمع السكني الفوضوي المذكور ظاهرا بشكل واضح خصوصا عبر الطريق المحيطي الثالث المؤدي إلى حي بن عربة أين تظهر لك سلسلة هضاب المرجاجو القريبة من المدينة مدججة بالأكواخ القصديرية ، ولم تسلم عاصمة الكورنيش عين الترك من الظاهرة المشوهة للمشهد السياحي أين تحصي السلطات هنالك حسب الأرقام المقدمة 14 حيا فوضويا تضم آلاف المساكن وتفاقم الأمر أيضا في عين الترك أين ظهرت تجمعات قصديرية في ظرف أيام خصوصا أثناء الحملات الانتخابية المتعاقبة حيث يعد المنتخبون الناس بتوفير السكن لهم في حال وضعوا ثقتهم فيهم ،لكن سرعان ما يتبخر كل شيء بعد وصول هؤلاء إلى مناصبهم كما حدث في احد "الدواوير " في سيدي الشحمي ،وتعتبر هذه الظاهرة من بين العوامل المساعدة على انتشار الأكواخ القصديرية ، وتعد بلدية بئر الجير التي تعتبر اكبر بلدية بوهران من حيث التعداد السكاني من بين البلديات التي تضم تجمعات قصديرية كبرى حيث أحصت الجهات الوصية بالمنطقة 14 حيا قصديريا ،تليها بلدية قديل ب10 مواقع ودائرة بطيوة ب6 مواقع ودائرة تليلات ب5 أحياء فوضوية وتتذييل دائرة بوتليليس القائمة ب4 مواقع ، لكن المواقع المذكورة توسعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بل زاد عدد الأحياء والتجمعات السكنية القصديرية بدليل أن الإحصاء لم يشر لحي "الغزلان " في ارزيو الذي يتوسع يوما بعد يوما ناهيك عن التجمعات القصديرية التي تضمها بلدية حاسي بونيف وبن فريحة خاصة في منطقة حسيان الطوال التي تحول فيها احد مناجم الجبس المهملة إلى حي قصديري يضم المئات من الأكواخ هنالك ، ناهيك عن حي الوئام في مسرغين الذي يزحف يوميا على السبخة الكبرى وغيرها من الحالات التي تثبت أن " ملف الفوضوي " خرج عن السيطرة ولم يعد الهدم وسيلة للقضاء عليه مما يتطلب تفكيرا وإستراتيجية أخرى لاحتوائه إدماج التجمعات القصديرية ضمن مخططات شغل الأراضي الحل الأمثل ولعل ابرز مثال على عدم نجاعة الإجراءات التي تقول السلطات انه من شانها القضاء على التجمعات القصديرية ، يمكن القول أن حي الصنوبر المعروف بحي "بلانتير" نموذج لفشل الوصاية في القضاء على هذه الظاهرة نهائيا ، رغم تخصيص حصة سكنية ضخمة منذ 2006 لفائدة ساكني هذا الحي الذي خصص له برنامج خاص لكن هذا التجمع القصديري الذي كانت تريد السلطات أن لا يراه ضيوف وهران منذ 2006 ،لازال الناس يرونه ونحن في 2015 ، ولم يظهر أي اثر ظاهر من بعيد لعمليات الترحيل التي تباشرها السلطات من حين لآخر والتي مست إلى غاية اليوم من تاريخ بدا هذا البرنامج 1400 عائلة فقط من بين آلاف العائلات التي تنتظر ، ولا يزال التشوه العمراني ظاهرا بالمناطق التي تعرضت للهدم ، حيث يظهر للناظر ديكور بائس من مخلفات البناء وجذوع الأشجار اليابسة وأكوام النفايات وبقايا البيوت القصديرية المهدمة جزئيا ،ناهيك عن بقايا هيكل إسمنتي ضخم لمصنع المشروبات الغازية الذي يقع في قلب الطريق السريع المؤدي إلى حي اللوز ولم تفكر السلطات في إزالته رغم أن جدرانه أصبحت سوداء من كثرة الأوساخ والروائح النتنة المنبعثة منه ناهيك عن تشويهه للمنظر العام أمام ضيوف المدينة الذين يأتون من الميناء عبر البواخر ليفاجؤوا بمثل ذلك المنظر المقزز ، الذي لازال على حاله لسنوات خلت ضف إلى ذلك قنوات الصرف الصحي المنهمرة على جنبات الطريق السريع وغيرها من المناظر غير المشرفة لعاصمة الغرب ولا يخدم توجه الوصاية الرامي لجعلها منطقة جذب سياحي وتبقى تشوه المدينة عبر طريق سيدي الهواري وصولا إلى حي اللوز ، ورغم تخصيص 11 ألف سكن اجتماعي للقضاء على هذا "العار" كما وصفه احد الولاة السابقين بوهران إلا أن إجراءات تجسيدها يمكن وصفها بمسلسل يتكون من عدة حلقات بدأت إحداها سنة 2006 ، ولا زال " يُبثٌ " إلى يومنا هذا بينما لم يمت البطل ولم يحي ، إذ بالكاد انطلقت حصة 6000 مسكن من بين 9000 التي خصصها رئيس الجمهورية للحي المنكوب خلال زيارته التاريخية للولاية سنة 2006 ، ورغم تسجيل المشروع منذ 2008 إلا أن انطلاقه لم يكن سوى في 2012 بعد جهود حثيثة من قبل السلطات الوصية آنذاك ، ولم يتحقق الحلم بعد ذلك ، ليعيد الوزير الأول إحياء المشروع بالنسبة لسكان هذا التجمع القصديري أين زار الولاية واطل على المنطقة وأعلن عن حصة إضافية مقدرة ب5000 سكن ،وهلل الجميع لذلك غير أن المشروع لم يخرج من الأدراج ،حسب مصادر رسمية حيث سجلت فقط حصة 6000 مسكن السابقة التي يجري انجازها ، بينما لم تستقبل مصالح الولاية أغلفة مالية لتجسيد الحصة الأخرى التي منحت لسكان البلانتير ، الذين استفادوا من بطاقات إحصاء زرقاء وزعت عليهم منذ 9 سنوات ،وأمام استحالة القضاء على هذا التجمع القصديري الضخم الذي يعتبر اكبر حي قصديري في الجزائر، وعدة أحياء شملتها عمليات هدم متكررة سرعان ما تنمو في مكانها أكواخ جديدة ، تبرز أهمية التفكير الجدي في احتواء هذه التجمعات السكنية القصديرية المشوهة للعمران وإدماجها في مخططات شغل الأراضي القديمة بموجب قوانين التسوية العقارية للبنايات الصادر في 2008 ،حيث يساهم ذلك في تكفل السكان بأنفسهم بتحسين منظر بناياتهم من الخارج ويزيلون الصفيح وهو ما يلاحظ خلال السنوات الأخيرة في الأحياء التي تمت تسوية عقود ملكية سكناتها حيث بمجرد أن يسدد السكان مستحقات عقد الملكية للخزينة العمومية ينطلقون في أشغال تأهيل بناياتهم ، وتحسين منظرها الخارجي والقضاء على "التيرنيت والصفيح " ،وبذلك تضرب السلطات عصفورين بحجر واحد فمن جهة تتخلص من المظاهر المقززة من دون تخصيص ميزانيات مالية لعمليات الهدم وإعادة الإسكان وتأهيل المساحات المسترجعة بعد الهدم ، ومن ناحية أخرى تستفيد الخزينة العمومية من أموال نتيجة التنازل عن أملاك الدولة وتوثيق العقود ، ليتسنى استغلال تلك الأغلفة المالية الهامة في التحسين الحضري لتلك الأحياء أضف إلى ذلك احتواء مظاهر الإهمال وغياب القانون بفعل إدراج تلك المناطق في مخططات شغل الأراضي مما يسمح بتهيئتها لاحقا ،وانجاز مرافق ضرورية فيها تنهي التهميش الذي يحس به القاطنون هنالك ، أضف إلى ذلك التخلص من العدد الهائل لطلبات السكن من قبل سكان تلك التجمعات التي ستخرج من دائرة "القصدير " والفوضوي " وتندمج تدريجيا ضمن النسيج العمراني للمدينة مع الحرص على عدم تكرار أخطاء الماضي ، والضرب بيد من حديد للأطراف المبزنسة بالأراضي التابعة لأملاك الدولة بعد تسوية البنايات غير الشرعية لاحقا . الدعارة ،المخدرات ، يعشش في التجمعات القصديرية ولا يختلف اثنان في احتضان هذه الأماكن لمختلف الآفات الاجتماعية وتشجيعها على الانحراف في الأوساط الشبانية فتجد المراهقين يحتكون بتجار المخدرات لعلهم يظفرون "بطرف زطلة مجانا " وهكذا إلى أن يضموهم إلى الشبكة و مع مرور الوقت يتحولون لتجارا للسموم ، في الوقت الذي شيد الهاربون من العدالة والمبحوث عنهم في قضايا إجرامية بيوتا فوضوية على حواف الغابات المحاذية للحي وجعلوها مأوي لهم ولأصدقائهم ، وعناصر عصاباتهم الإجرامية التي تجعل تلك الأحياء بمثابة مراكز "لتنسيق " عملياتها الإجرامية والتخفي بعدها فيها عن أعين مصالح الأمن التي تتيه في هذه التجمعات القصديرية التي تمتاز بأزقتها الضيقة وتضاريسها الوعرة التي لا تصلها حتى الدواب فما بالك بالسيارات الرباعية الدفع التابعة للدرك أو الشرطة ضف إلى ذلك انعدام منظومة عناوين حتى بالنسبة للتجزئات الشرعية بالأحياء المحاذية لهذه التجمعات القصديرية مما ساهم في ازدياد نسبة جاذبية هذه الأحياء للعناصر الإجرامية التي تفضل التعشيش هناك وإتباع أسلوب الكر والفر حيث تقوم هذه العصابات التي تبيع المخدرات عادة بالسرقات ليلا وتختفي في أكواخها نهارا وهكذا إلى أن يقبض عليها خارج "العرين" ومن النادر أن تلقى مصالح الأمن أو الدرك القبض على العناصر الإجرامية الخطيرة في هذه التجمعات التي لا تظهر في الخريطة ،وزادت ظاهرة الدعارة الأمر سوء أين تُتخذ تلك المنازل "محشاشات" كما يصطلح عليه لاجتذاب الزبائن في الوقت الذي يجد بارونات المخدرات ضالتهم في الفوضوي حيث يبيعون السموم نهارا جهارا فلا رقيب ولا امن ولا درك ينغص عليهم أيامهم هناك أو يوقفهم ، لتتحول بذلك تلك التجمعات السكنية إلى تجمعات سكنية تشبه تلك التي في أفلام "الكوبوي" أين يسود قانون الغاب والويل لمن نطق ضد تلك العصابات ، بينما لا يفيد الرقم الأخضر أو الأزرق هناك حيث لا رقم سوى الرقم "الأحمر " ومن أراد المواجهة فما عليه سوى جمع "بوندة" من أصدقائه وإعلان الحرب رؤوف .ب