تحيي الجزائر كل يوم 9 نوفمبر من كل سنة اليوم الوطني للصناعة التقليدية وفق مرسوم صدر في هذا الشأن في 2007، بقرار من رئيس الجمهورية، الذي رأى ضرورة سنّّ مثل هذا القانون لحماية الصناعة التقليدية بالجزائر وحماية الموروث الثقافي الأصيل لأشهر الولايات في مجال الحرفة اليدوية وفنّ الأنامل الذي يكاد يندثر ويمحى من الذّاكرة والأسواق معا، بعد أن طغت الصناعات العصرية على الفكر والوجود، والحقيقة تقال كما يردّدها الباكون على العصر الذهبي لهذه الصناعة التي برع فيها الجزائريون كل البراعة، »راح كلّ شيء مع الكبار والجيل الصّاعد يحبّ الواجد«. نحنّ وتحنُّ أمهاتنا اليوم لطبق وكسكاس الحلفاء، ونفضّل في الأعراس والأعياد والمناسبات رجالا ونساءا إنتعال البلغة الأصيلة نقول أنّها مغربية لكنّها في الأصل تلمسانية من المشور حيث كانت الحذاء المفضل للأمراء والملوك والسلاطين لما تبعثه من راحة في الرجلين والأقدام، لكن الحرفيون، نقلوا صناعتها الى مراكش بالمغرب وتوارثوها هناك أبا عن جدّ، وولّت الحرفة عندنا تاركة وراءها الحسرة و»الفقعة«. ولا يختلف أحدا في كون زربية مصطفى بن براهيم كانت وماتزال الزربية المفضلة لدى أغلب العائلات الجزائرية لما كانت وما تزال تتميّز به من روعة في النسيج والتصوير ودقّة في الفنّ والإتقان، إلاّ أننا اليوم نبكيها فقد بدأها الزوال ومسّها الشلل بعد القرار الوزاري الذي قضى بغلق مصنع مصطفى بن براهيم لصناعة الزرابي الذي كان إنتاجه الوفير يصل حتى البلدان المجاورة منذ نشأة المصنع في 1970، وتصوروا أن رقم أعمال هذا المصنع قد بلغ في التسعينات وحتى غلقه ما يزيد عن المليارين وأربعة مليون سنتيم وهو ما يجعلنا نأسف كما يتأسف سكّان المنطقة من الغيورين على حال المصنع ووضعية الزربية التي أصبح يقتصر إنتاجها علي ربّات البيوت المحافظات على هذا الإرث الثمين لحمايته من الزّوال والإندثار وإن كانت الزربيات المصنعة بهذه الطريقة التقليدية المحضة لا تمثل سوى عشر 10/1 المنتوج الذي كان يصل إليه المصنع سنويا. وبالبيض إعتلت صرخات النسوة تطالبن بحماية وجه المنطقة الأصيل في جزئه المتعلّق بجلابة وبرنوس الوبر، الذي وان غلا ثمنهما فما يزالان في الصدارة وطنيا، وإرتداءهما يعدّ فخرا وإعتزازا ورمزا للوطن والوطنية ويكفينا سعادة أن ضيوف الجزائر نهديهم جلابة أو برنوس من هذا النوع ومهما علا شأنهم كانوا يعتزّون بالهديّة ويعتبرونها من أغلى ما منحوا لخصوصية هذا النوع القيّم والرفيع والفريد من نوعه، وليس غريبا أن تباع جلابة خالصة من الوبر بأزيد من 5 ملايين سنتيم فهي محاكة بالعرق والتعب والأمل أيضا. ... إنّها البراعة، براعة العقل والأنامل الجزائرية والتّحف أجمل من غيرها بكامل التراب الجزائري.. أمامها الأجانب والسوّاح يقفون مشلولي الأيدي وشاردي الأدهان عقولهم تتوقف عن التفكير .. أيّ عباقرة أنجزوا هذه العبقرية والصّنائع الخارقة؟!.. إنّها الإرادة وعصامية الإنسان الطموح إنسان البادية والرّيف والرغبة في إثبات الوجود من أجل العيش الكريم.. وهذا ما نحتاجه لصقل ما نسمع عنه من مشاريع للنّهوض بالصناعة التقليدية بالوطن.. إنّه ما ينقصنا لحماية الموروث من الزوّال والأصل من الضياع.. وإلاّ فكيف نفسر غلق مصنع مصطفى بن براهيم لصناعة الزرابي ونترك السوق مفتوحة على الزربية المصرية والإيرانية، والأمثلة كثيرة وهي مطروحة أمامكم لعلّ وعسى... وبالمقابل تعرف عددا من الصناعات تطورا ملحوظا على غرار البلوزة الوهرانية التي ما فتئت مكانتها وسمعتها تزداد يوما بعد يوم رغم عوامل العصرنة والموضة وزحف ما يسمى بالمنصورية والقفطان وليت الحال يدوم ...