ينزوي بجريدته في مقهى المدينة ، يتصفّحها بشوق و قلق ، ثمّ يمدّد رجليه الطويلتين بين قوائم الطاولة التي لم تكن مناسبة لهيكله ، أزعجه عدم الانسجام ، يشعر بمضايقة ، و هو يمصّ سيجارته بغضب ، لثالث مرّة يحاول رفسها في المطفأة ، لكن لا زال بها بعض المصّات الجميلة كما كان يتحدّث في وصفها عندما يجتمع بأصدقائه ويروي لهم مغامراته في المقهى ، فيتركها بين أصابعه الثلاثة تلهو بها ، يمسكها كما لو أنّه يخشى فرارها و لا يريدها أن تنتهي ، يعذّبها بأصابعه فتزيد من عذابه ، كانت لذّتها تتضاءل ووهجها يغيب في زحمة الأبخرة المكوّمة على الرّؤوس في بهو المقهى الضيّق ، و حركة الوافدين مستمرة ، من حين للآخر تلطمه أيدٍ عابثة و تدافع الأجساد المكتظة الباحثة عن كراس بجواره أو قريبة منه ، لكنّها تبتعد عنه كالفارّة من رائحة بالوعة صرف المياه ، فتزيد من غضبه ، توقفت الحركة وواصل قراءة خبر اليوم الذي لم يكن مناسبا هذا الصّباح أيضا ، يعود الضّجيج بعد هدوء نسبي و يتراكم شيئا فشيئا ، لحظتها شيء ما قرض نفسه من الجريدة ، يسحب رجليه بسرعة ثمّ يطوي جريدته في حنق ، يطفئ بشدّة ما بقي من سيجارته حتى كوته ، صرخ ثمّ لعنها و هو ينفث ما بقي في صدره من آخر مصّة ، ربّت النادل على كتفه حينما همّ بالمغادرة : ادفع ثمن ما قلت عفوا ما شربت ، وضع كلتا يديه في جيبي سرواله مفتعلا البحث عن النقود و هو يدرك أنهما مثقوبان منذ طردته الشّركة...