أمعنت النظر تبحث بعينيها وسط الركام عن شيء ثمين يستحق الأسى فلمحت من بعيد فردة حذاء بلاستيكي صغير لطفل في الثالثة أو الرابعة من العمر ومن مكان غير بعيد ولعله وسط الحطام يسمع أنين بعيد ظلّ الناس فزعين أين الصوت أين مكانه يا ترى ما يكون ...كثرت التأويلات لعله طفل صغير ... ظلت تستطلع حالة الفوضى من شرفة الطابق العلوي لمنزلها ، وحركة الناس التي حولت هدوء الليلة إلى سوق عامر ،وأخذ الناس يجتمعون في شكل دائرة كبيرة تزداد اتساعا واتساعا حتى خيل إليها أنهم فرقة مسرحية تستعد لتقديم عرض ممل . في اللحظة التي عزمت فيها على العودة إلى النوم، سمعت صراخا في الخارج ،سقطت من يدها علبة الكريم الثمين الذي تثق فيه وتعتمد عليه بشكل دائم لحماية جمالها ،وانسكب عند موضع قدميها ،نظرت إليه مصدومة ،حاولت إعادته إلى العلبة فعلق بأصابعها، اجتهدت أكثر دون فائدة، كان لزجا وسريع التمدد، مسحت ما علق بيديها من الكريم بثوب النوم الخفيف الذي كانت ترتديه واندفعت باتجاه الشرفة متلهفة لمعرفة شيء جديد ،لم تتمكن من تمييز ما يحدث بسبب الظلام. كان الناس مجتمعين في شكل دائرة كبيرة ،ويصرخون ويطلبون : الماء ،الماء ،هات المزيد من الماء ،افتح فمه، إنه يتقيأ، شرب الكثير من البنزين ،نريد ماء ،أحضروا الماء ،افتح فمه ،افتحه أكثر... حدثت نفسها وقد استعادت هدوءها "عرض ممل ،القمح لا يأتي بلا خسائر أبدا ،الناس هنا كثر والقمح لا يكفي الجميع ،يجب تقسيمهم إذا ،فئة متضررين تنشغل بنكبتها وفئة غير متضررين تستثمر في الحادث..." قبل أن تكمل تحليلها من شرفة الطابق العلوي لمنزلها ،ارتفعت الأصوات فجأة مهللة "سيعيش الكلب ،سيعيش الكلب.