أدّت زاوية " لغوافلة " بعين الحديد بولاية تيارت، منذ نشأتها بين القرن ال9 و ال10 الهجريين بجبال "زدامة"، مهامها التّعليمية والتّربوية بامتياز، حيث كانت تُدَرّس بها علوم الفقه و المذهب المالكي ، وكذا أبجديات اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم ، وغيرها من العلوم التي كانت متداولة في تلك العصور ، وقد مرت زاوية "لغوافلة " بعدّة ظروف خلال الفترة العثمانية ، ومرحلة الاحتلال الفرنسي الذي لم تطأ أقدامه منطقة "مرغنّيس" الشّهيرة ب "غابة عودة" إلاّ بعد الحرب العالمية الأولى ، هذه الظّروف جعلت القائمين على الزّاوية المذكورة ينقلونها من جبال "زدامة" محلّ تأسيسها لأوّل مرّة، إلى عين الرّملة" بجيل "بلمرسلي" ، ثمّ "عين الدّفلى"، فمنطقة "الوكر" بجبل "تيمّي"، إلى مكان يسمّى "المَدْرَقْ" بجبل "الرْبِيبْ" ،وبعد ذالك إلى "خيمة الطّلبة"، ما جعلها زاوية متنقّلة يمكن أن يرحل بها شيخها إلى أيّ مكان يراه آمنا لأداء مهامه الّتي كانت مقتصرة على تحفيظ القرآن الكريم ، وذلك حسب بعض المصادر التّاريخية المحليّة، قبل استقرار مقرّها الحالي إلى جبل "بن وحشية" حيث يوجد ضريح الشّيخ محمّد المدعو (حمّو) إلى غاية 1992 ، وللعلم فإن رئيس الجمهورية السيد " عبد العزيز بوتفليقة " قد زار زاوية لغوافلة مرّتين ، المرّة الأولى سنة 1999 و الثّانية سنة 2004، وقد كرّم الزّاوية بهدايا قيّمة ، كما أنّ معظم المسؤولين الكبار سواء على المستوى الولائي أو الوطني زاروا الزّاوية وشجّعوا مسيرتها الإصلاحية كمساعدة الفقراء، تكريم حفظة القرآن الكريم، المساهمة في حلّ مشاكل المواطنين وفضّ المنازعات المختلفة، تزويج الشّباب ، توزيع الملابس في الأعياد وغيرها من المناسبات الأخرى . إصلاح النفوس بين قبائل المنطقة ولد "المكّي بوغفالة" شيخ زاوية "لغوافلة" سنة 1951 بقرية "مرغنّيس" الشّهيرة بغابة عودة الكائنة ببلدية عين الحديد ولاية تيارت ، حيث ختم القرآن الكريم وعمره لم يتجاوز 12 سنة ، درس أصول الفقه و اللّغة العربية على يد كلّ من الشّيخين العلاّمة "الحاج الطيّب" التواتي من أدرار و الإمام " الحاج بومدين" إمام مسجد ابن خلدون بمدينة فرندة رحمهما الله ، وبعد أن تعذّر على عمّه الحاج "المختار" إدارة الزّاوية وتسييرها، تقرّر بالإجماع، إسناد المهمّة إلى الشّابّ "المكّي" الّذي تولّى رئاسة زاوية "لغوافلة" سنة 1980، وفي هذا الصدد قال الشّيخ "سي المكّي" في التصريح الذي خص به جريدة الجمهورية إن الأمر أتعبه في البداية ، حيث كان عليه القيام بمهمّة تدريس وتحفيظ القرآن الكريم ل40 طالبا من الطّلبة القادمين من المناطق البعيدة، مع وجوب توفير الإيواء لهم و الإطعام ، إلى جانب الطّلبة المقيمين ، هذه الوضعية البدائية –يضيف الشيخ المكي - صعّبت عليه المهمّة ، لكن بفضل الله و محبّي حفظة القرآن تمكّن من تطوير الزّاوية إلى حدّ ما، مع تحسين ظروف الإيواء، الإطعام وتوفير التّدفئة والماء عن طريق ربط الزّاوية بصهريج ماء خاصّ بها، وغيرها من المزايا الّتي تدخل في ترقية خدمة الطُُّلْبة . كما أوضح الشيخ المكي أن تحويل الزّاوية من جبل بن وحشية إلى قلب مدينة عين الحديد ، لم يكن بالأمر السّهل كما يظنّ البعض ، بل جاء بسبب الظّروف الصّعبة الّتي كانت تمرّ بها الجزائر ككلّ، وهذا بعد ظهور بوادر الإرهاب وانتشاره خاصّة في المناطق الجبلية.. وعلى هذا الأساس قرّر تحويل المقرّ إلى عين الحديد ، مع العلم أن المدينة كانت تقطنها 3 قبائل وهي الجبلية، المهاودية و بني ونجل ، كانت متنافرة فيما بينها بسبب الإرهاب، حيث كانت قبيلتا الجبلية و المهاودية لا تقبلان التعايش مع " بني ونجل " والعكس صحيح ، وهذا بسبب الصّراع و الظّروف الأمنية الّتي كانت تسود المنطقة، وقبل الاستقرار في عين الحديد، كان على" الشيخ المكي " إيجاد الحلول لهذا المشكل الاجتماعي ، كما كان عليه أن يسعى لقبول الزّاوية من قبل العشائر ال3 ، فمن الضّروري السّعي إلى غسل القلوب من الضّغينة السّابقة وإصلاح النفوس قبل المباشرة في تعليم القرآن الكريم ، والحمد للّه وبفضل منه تعالى وفضل ناس الخير في مدينة عين الحديد وعقلاء القبائل الثّلاث استطاع الشيخ إعادة الألفة بينها قبل أحداث 1991. تخرّج 30 حافظا للقرآن سنويا بعد أن استقرّت الأوضاع ، انطلقت الزّاوية ب 250 طالب في سنة 1994 ، وهذا بعد أن تمّ تحويل المقرّ نهائيّا سنة 1993 من جبل بن وحشية إلى عين الحديد مركز، ورغم التّهديدات الّتي كانت تصل الطلبة من المجموعات الإرهابية ، استطاع الشيخ المكي إقناع غالبيتهم بعدم الرضوخ لفتاوى ضالّة لا أساس لها من الشّرع ولا من ديننا الحنيف، وكان يتخرّج قرابة 25 إلى 30 حافظا للقرآن الكريم سنويّا، ففي كلّ مناسبة دينية يتخرج ما بين 5 إلى 6 من الطلبة ، فعين الحديد الّتي كانت قد ورثت نمط عيش من المحتلّ الفرنسي حسب شهادات أهلها، أعادت ضبط مسارها على نهج موروثها الأصليّ وتمكّن السكان من حثّ أبنائهم على حفظ القرآن ، و الحمد لله تمكّنت مجموعة لإحدى الدّفعات من تعلّم الفقه الإسلاميّ وأصوله على السّادة المالكية، على يدي الأستاذين الفاضلين " ميموني عبد القادر " و " عبيد بن حليمة " اللّذان كانا يحفظان كتاب الله في الزّاوية ، و اللذان انتسبا إليها و استغلاّ الفرصة لتعليم غيرهم من الطّلبة ما كانا قد تحصّلا عليه في جامعة وهران ، ولزاوية لغوافلة اليوم فروع في كلّ من مدينة آفلو ب 160 طالبا ،والأبيض سيد الشّيخ بحوالي 40 إلى 50 طالبا يزدادون و ينقصون حسب الظّروف ، ومن يزور مقبرة الجبلية القديمة بجل سيدي بلمرسلي يلاحظ أنّ كلّ قبر من القبور ال 6000 تضمّ شيخا أو حافظة للقرآن الكريم ، مع العلم أنّ أولياء المنطقة تتلمذوا على يد الشّيخ سيدي بلمرسلي نذكر منهم " سيدي اعمر " بفرندة، سيد القنّون، سيدي قادة بالمختار، وغيرهم من الأولياء الصّالحين بالمنطقة الجامعة بين ولايات تيارت، البيض، معسكر وسعيدة . تطوير منهجية التعليم بعد الاستقرار و الاستقطاب الّذي حقّقته زاوية لغوافلة بمدينة عين الحديد في كافّة المجالات سواء بالنّسبة لعدد المتخرّجين من حفظة كتاب الله ،أو من حيث الخدمات الاجتماعية الّتي قامت بها أوساط المواطنين.. يطمح الشّيخ لجعل زاوية عين الحديد قطبا جامعا للعلوم الإسلامية، حيث باشر في بناء زاوية جديدة واسعة من حيث المساحة، تضمّ مسجدا للصّلوات ال 5، يسيّرها حاليا 5 موظّفين، في انتظار استكمال كلّ الأقسام للشّروع في تحديث و عصرنة التّعليم بالزّاوية ، وكما هو مخطّط له، فالزّاوية المذكورة ستوظّف مستقبلا، أساتذة في مختلف التخصّصات التّعليمية بالموازاة مع أصول الفقه على مذهب الإمام مالك، اللّغة العربية وغيرها من العلوم الأخرى، حسب ما ذكرته مصادرنا المطّلعة الّتي تؤكّد أنّ الشّيخ المكّي قد استطاع بنظرته تلك، تغيير منهجية التّسيير القديمة، الموروثة عن أسلافه، الّتي كانت تقتصر على تحفيظ القرآن الكريم في مناطق معزولة يصعب الوصول إليها، إلى نقل المقرّ إلى الوسط الحضري وتطوير منهجية التّدريس والتّعليم، مركّزا في ذالك على القيم الأخلاقية الأصيل في المجتمع الجزائريّ وحسن التعامل مع الغير. وفي الأخير حثّ الشّيخ "سي المكّي " طلبة الزّاوية ومحبّيها على طاعة الوالدين، وطاعة المشايخ والحفاظ على طريقة الأجداد في السّلوك الجماعي و الفردي ، داعيا الشّباب الجزائريّ عامّة و شباب ولاية تيارت والمنطقة بالخصوص، إلى الإخلاص لله في العبادة و حسن المعاملة مع عباده، وفي محبّتهم لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وكذا محبّة الوطن والذّود عنه بالتماسك الاجتماعي وعدم الإصغاء إلى دعاة الفتن ودعاة التطرّف ودعاة الغلو.. مع وجوب الحفاظ على الدّين كما جاء به المصطفى الكريم ، مؤكدا على ضرورة تجنّب التفرقة و إتّباع هوى النّفس وهوى أعداء الوطن .