الحاج بغورة عبد النور المعروف بعبد الوهاب، أمازيغي حتى النخاع، رغم عمره الكبير الذي فاق الثمانين سنة، إلا أنه لا يزال يحفظ كتاب الله كاملاً عن ظهر قلب والذي حفظه منذ صغره، فبالإضافة إلى سنه الكبير وشيبته البيضاء زاده القرآن الكريم على وجهه وقاراً على وقار ونوراً على نور. الشيخ عبد الوهاب ولد إبان الحقبة الإستعمارية في سنة 1931 ببلدية "تفرق" الواقعة شمال مدينة البرج، المنطقة القبائلية ذات الطابع الجبلي. قصته مع حفظ القرآن الكريم بدأت منذ صغره ورغم أنه لا يتقن لغة الضاد إلا أن جده البشير حرص على تحفيظه القرآن فحفظ على يده عدة أحزاب وعمره لا يتجاوز آنذاك الخمس سنوات كما تعلم مبادئ القرآن الكريم في مسجد القرية إلى أن تلذذ حلاوته وعزم على ختمه. وعند بلوغه العشر سنوات أيقن الطفل الصغير أن جو منزله لن يساعده على الحفظ لكثرة الأشغال فيه من إحضار للماء والحطب وغيرها، عندها قرر الدخول إلى زاوية معمرة أو سيدي عبد القادر الجيلاني الزاوية القرآنية الوحيدة ببلديته ليتفرغ للحفظ فقط، هناك تعلم الشيخ الحروف الهجائية العربية وبدأ الحفظ عن طريق التخطيط على الألواح على طريقة الكتاتيب الجزائرية، وبعدها الترديد والقراءة حيث يقوم الطلبة قبل صلاة الفجر ليراجعوا ما حفظوه ليرسخ في ذاكرتهم، وبعد ذلك يعرضون ما حفظوه على شيخهم في هاته الزاوية "معمرة" رغم أنها كانت تعيش على صدقات السكان إلا أنها كانت رائدة في تحفيظ القرآن لشباب المنطقة آنذاك. وبهذه الطريقة ختم الحاج عبد الوهاب 60 حزبا في العشرين من عمره لتكون الفرحة الكبرى، وكانت العادة في هاته الزاوية الذي يختم القرآن يصلي بالناس بمثابة الجائزة ومن باب التشجيع أيضاً، وكان له ذلك، وفي سنة 1950 أخذه خال والده الذي كان حافظ للقرآن أيضا إلى تونس للدراسة لمدة ثلاث سنوات في جامع الزيتونة وزاد علمه حيث درس هناك الرياضيات واللغة وكذا الفقهيات والتاريخ والجغرافيا وكان أغلب الطلبة هناك جزائريين ومتفوقين عن باقي الطلبة من الجنسيات المختلفة، وبعد رجوعه إلى مسقط رأسه ببلدية "تفرق" كان فخراً له ولعائلته حيث كانت الدراسة بالزيتونة بمثابة الدراسة بالأزهر، وكان يؤم المصلين في صلاة التراويح وعمد إلى التدريس، كما درَّس الطلبة في زاوية "معمرة" كل ما تعلمه في الزيتونة وتولى إمامة مسجد القرية.
الشيخ عبد الوهاب عزم أن لا ينفلت منه القرآن ورغم تقدمه في السن، إلا أنه كل يوم وبعد صلاة الفجر مباشرةً يجلس ويراجع خمسة أحزاب صباحاً ومثلهم مساءً على غرار التوجه إلى مكتبته الغنية بالكتب القيمة للمطالعة، الحاج عبد الوهاب أدى مناسك الحج والعمرة، وطالما أوصى أولاده السبعة وأحفاده بالقرآن الكريم ومازال يوصي به لأنه كلام الله وهو دستور الدنيا والآخرة.