خلف نافذة حديدية كنت وحدي ، لا أحمل معي سوى قدري وخوفي المزمن، أعيش حزني و حكايتي وحدي وأواجه تلابيب مصيري بمفردي, خلف النافذة وراء القضبان كانت الوجوه الغادية و الرائحة والأجسام النشيطة تعبر كالسحاب، وحيدًا كنت لا أخاف سوى من خوفي مسجونًا خلف أعباء وهموم قادتني إلى ها هنا، منتظرا دوري أمام هؤلاء الذين ربما جاءت بهم أقدارهم مثلي إلى هنا ، لقد جمعنا الألم جميعا وعرف وجوهنا من دون أن نرغب أو لا نرغب في ذلك, وحيدًا أرجو الخلاص وأتمنى أن أخرج من هنا على الأقل كما دخلت فهذه الأماكن لا تقتل ولكنها قد تقلب حياة بعضنا رأسًا على عقب، أطمئن تارةً وأفزع أخرى تنتابني أفكاري المرعبة تارةً و أسهو في أُخر. في هذه المواقف ليس المؤنس و المنقذ سواه القادر على ذلك، وكان دعائي كثيرًا وأملي أكثر في كرمه وسعة عطائه ، من نافذتي أرى مارة كثيرين غير آبهين بما في حضرتي هنا كما كنت أنا أمر فيما مضى من هنا وأتذكر عدد المرات التي مررت فيها على مدار سنوات ، إنها مرات كثيرة ،في المقابل أرى مكانًا كنت أجلس فيه في الماضي مرات أنا والرفاق والزمن الجميل، كم كنا هنا ..وكم ضحكنا هنا ..وكم تبعثرت خطواتنا هنا ..وهاهي اليوم جامدة هنا خلف القدر المحتوم ، تتجه أنظاري إلى أدراج كثيرًا ما صعدناها ، ونزلناها بنشاط ومرح لاهين وجادين في أيام على إختلاف فصولها وتفاصيلها ، تآنسي هذه الذكريات وتحجب عني بعضًا من التفكير الخائف المخيف. أيها المارة ..إنكم لا تعلمون ما هنا ..، كيف نحن هنا ، لقد كنا مثلكم ولكن هانحن نجد أنفسنا هنا جئنا من حيث لم نأتي وجيء بنا مرغمين وبإرادتنا، ليتكم تنظرون قليلاً فقط فوق رؤوسكم قريبًا منكم, ليتكم تدركون الأسرار التي هنا فربما قد تجنبون أنفسكم مغبة المجيء إلى هنا ولو بأضعف الإيمان، لعلكم تتخلون عن بعض حماقاتكم المودية بكم إلى سجننا هذا و لو بعد حين. ما أجمل العبرة والاعتبار، إنها الحكمة المنشودة، وخير ما يعتد به الكائن على هذه البسيطة في مواجهة غده بما يحمله من جديد، وفي وسط الزحام الكثيف تارة ، والمنقشع تارة أخرى، يستحضرني طيفك في المارة ، وأراه يجول ويصول في كل العابرين، أراه قادمًا وعائدًا ثم واقفا ، أو أراه كما رأيته في الماضي البعيد، يعيد نفسه هنا أمام هذه النافذة البائسة ويزيد حزني كبرًا ويحمله ما لا يحتمل. وبعد ما مر من بؤس الزمن القدر الكافي لإتعابنا وإرهاقنا حد الدوار وبعد ما كان للقيد أن ينكسر كان الخروج من هذا السجن وكانت العافية والطمأنينة وكان الشكر كثيرًا والحمد أكثر.