إن العظمة التاريخية وإن كانت مترجلة إلا أن في باطنها دائما روح أنثى .. قراءة في النظرة الكريمة التي أولاها مصطفى صادق الرافعي إنسانا وشاعرا وكاتبا للمرأة. كم هو متعب حقا ...بل محزن لدرجة حداد الدهر بحاله ...أن تجد المرأة نفسها في عهد الحريات التي ترفع شعارات لأجلها ، وسعي الكل لتحقيقها ، وفي الوقت نفسه تجد أن تلك النضالات والاعترافات التي تقدم لها ، كلها مهما علت أو انخفضت ، تعود لأساس ممارسة حرية لا تتعدى محور إرضاء رجل ،لإيمانها الطيب أنها من ضلعه خرجت ، ولإيمانه المتصلب ومجتمعه بأنها لم تخلق لتعيش كائنا حرا وإنما تابعا لخدمة رجل ، بوجوده ارتقت وباختفائه دنست ....ضاعت العديد من أرواح النساء اللواتي استسلمن للتشكيك في إنسانيتهن ووجودهن ككائن مستقل له روحه وأفكاره و مبادؤه. أما الجميل والرائع، هو الحقيقة المطلقة التي لا غبار عليها ،أن تقتنع بفكرة أنها امرأة شقيقة للرجل لا منافسة، ولن يكون لهذا الكلام أي مصداقية إلا من خلال هذه القراءة البسيطة في النظرة الكريمة التي أولاها مصطفى صادق الرافعي لها ...فتبتعد كليا على ما يشكك في وجودها، فتغلق تلك الأفواه الرجعية للأبد، ويكفيها فخرا أنها امرأة .. لقد لام الكاتب المصلحين والكتاب والأدباء في أنهم لا ينتبهون إلى حقيقة أن التاريخ الإنساني وإن لم يكن نسائيا، غير أن المرأة هي التي تلده وترضعه بأخلاقها ، حتى يتماسك ويدرج ثم يذهب يافعا ، وأن العظمة التاريخية، وإن كانت مترجلة إلا أن في باطنها دائما روح أنثى...بمعنى أن أهم العناصر فيها تسمى بروح أنثى. وهذا الإنكار الذي التزم به مصطفى صادق الرافعي ،قد أنكره ديننا الحنيف، رغم ما ينسب إليه من مغالطات في هضم حقوقها ووجودها ،وهؤلاء ينكرون عظمتها على اعتبار أن النبوة لم تعط لامرأة ،وإنما أعطيت لرجل ، وكلها أفكار لا تعني مطلقا ذلك النفي المطلق لكينونتها ، وهي أفكار حسب رأي الكاتب ليست لنا ، وإنما للآخر وهو يقصد الغرب لعلمه بالمكانة الحقيقية لهذا الكائن ، وهم ينشرونها في زمانه تحت شعارات الشرق المريض ،فتتعدد أراؤهم وطرق العلاج التي ينشرونها فينا، على اعتبار أننا لا نتعدى صفة فأر التجارب بالنسبة لهم لا بشر لنا إنسانيتنا، حتى وإن لم يكونوا متأكدين من طرق العلاج تلك، إلا أنه وحسب رأيهم لابد ولطريقة ما أن تكون ناجحة ، وفي الأصل لا يريدون لنا الشفاء ويؤكد الكاتب على سفاهتهم تلك بقوله " ولا يعلمون أن التاريخ وإن لم يكن نسائيا غير أن المرأة هي التي تلده وترضعه بأخلاقها حتى يتماسك ويدرج ثم يذهب يافعا....... السفينة لا تزال تجري بمجدافيها متجهة في الحركة إلى جهة واحدة ،فإن اختلفا وتدابرا في الحركة التوت السفينة أولا واضطربت ثانيا ،وانقلبت آخرا ، وهل الرجل والمرأة إلا مجدافان في زورق البيت الذي يعبر بهما نهر الحياة، ويستمر في التوضيح بأنه " ومادمنا امرأة ورجل نرى في المجتمع الشوارب واللحى فقط ، فإننا لن نرى إلا الجراثيم الاجتماعية التي يخلفها الرجل لإرضاء تصلبه ويلبس السلاسل للمرأة معتبرا إياها أس الفساد ، وهذه السلاسل ليست هي نفسها كما في الزمن الغابر، ففي الأمس كانت طغيانا وعنفا، واليوم باتت مغريات وتنازلات. وإن حدث وتعلم المجتمع كيف ينظر للمخلوقين معا، سيتعافى من مرضه وتندثر الجراثيم "وإنه إذا وجد هناك نساء من أمهات الحب والفضائل ،وجد معهم من يلدنهم من رجال العزم والمبدأ المخلوق منها جميعا " أي وجود المرأة العظيمة مجاور تماما لوجود الرجل العظيم الراعي والشقيق كذلك .... وإن كان هناك فساد في مجتمع هما معا المسؤولين عليه ... كوني امرأة شقيقة لرجل لا منافسة له .