الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .. أما بعد: حتى لا يفوتنا شهر الخير ونحن في بداياته...لا بُدّ أن نعرف قيمة شهر رمضان، فنعطيه حقه من العبادة والطاعة، فرمضان شهر جليل، لا يعرف قدره إلاّ من علم قيمته، فأهل العلم والصلاح من الصدر الأول كانوا يدعون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم شهر رمضان، فإذا ما هلّ رمضان ظلوا يدعون الله أن يتقبل منهم الصيام والقيام ستة أشهر أخرى، وهكذا يظل ذكر رمضان ملازما لهم طيلة السنة، وما هذا إلاّ لعلمهم بقيمة الشهر الفضيل. حتى لا يفوتنا شهر الخير... لابد أن نستغل أوقاته بين عبادات مطلوبة و عادات محمودة. فما بين صيام بالنهار وقيام بالليل تتجلى روحانية رمضان في تلك الأعمال المحمودة من صدقة و إحسان و قراءة للقرآن الكريم و ذكر لرب العالمين، و سير على هدى الصالحين، فالأعمال مضاعفة و البر يسير و الجنة مفتحة أبوابها تنادي كل محسن ومجتهد في هذا الشهر. حتى لا يفوتنا شهر الخير... لا بد ألا نتركه يتصرب من بين أيدينا دون أن نستغل أيامه و لياليه، بل ساعته ودقائقه. فكل دقيقة تمر من رمضان و لم تعمل فيها عملا صالحا فهي بمثابة الوقت الضائع... وقت تندم عليه حين يأتي زمان يُحال بينك و بين الصيام و الطاعة، كان السلف من صدر الأمة يستغلون شهر رمضان في أعمال الخير ويتقلبون في أنواع الطاعات و القربات، لكل طاعة و قربى وقت مخصص لها، فقراءة القرآن لها زمنها، والصلاة لها زمنها، و الإطعام له زمنه، وكل عمل من أعمال الخير إلاّ و له زمنه المخصص ضمن جدول زمني مضبوط حتى لا يفوتهم شيء من الخير في هذا الشهر. حتى لا يفوتنا شهر الخير... لابد أن نقف على أسرار الصيام و نتذوق طعم الوقوف والقيام لله رب العالمين. لذة العبادة و الطاعة لا تضاهيها لذة، ومن عاش مع الله عاش عيشة رضيّة و حياة هنيّة، ومن تذوق لذة الصوم لله، فأعطش نفسه و جوعها ابتغاء مرضاة الله تمنى لو كانت السنة كلها رمضان، و من وقف على أسرار الصوم سال دمعه رقراقا لفراقه، و لولا إباحة الصوم في غير رمضان لاغتم من تذوق لذة الصيام. حتى لا يفوتنا شهر الخير... لا بد أن نعرف أحكام الصيام ونستشعر الحكم الربانية من الصيام و القيام. فليس الصوم تعذيبا للنفس بل تهذيبا لها، ومن أدرك هذه الحكمة علم أن الله يعينه على نفسه حتى لا تذهب به كل مذهب، فهو سبحانه يعطيك أفضل الطرق للسيطرة على نفسك، ويرشدك إلى الكيفية التي تمكنك من الإمساك بزمامها حتى إذا ما انفلتت أو تمادت أنختها عند حدود الشريعة، الصوم يعلمك كيف تسيطر على نفسك، ويعطيك برهانا قاطعا على أنك تملك قوة عظيمة تمكنك من فعل أي شيء تريده، وسل نفسك عن القوة التي تصرفك و أنت وحيدا في غرفة عن شرب الماء البارد و أنت عطشان، إنها الإرادة التي يمكن أن تصنع بها العجائب. هذه الحكمة التي فهمها الصحابة و التابعون فأرخوا تاريخا من البطولات العظيمة أغلبها إن لم نقل وقعت كلها في هذا الشهر الفضيل، فأغلب الغزوات و المعارك الحاسمة وقعت في شهر رمضان، فمن غزوة بدر إلى معركة عين جالوت مرورا بفتح مكة و القادسية و فتح بلاد الأندلس و الزلاقة و حطين و غيرها كانت في شهر رمضان المبارك. هذه القوة التي أودعها الله في الصائم لا تعينه على الصيام و القيام فقط بل تسهل له كل أعمال الخير و الإحسان للغير.