الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .. أما بعد: اليوم هو اليوم التاسع من رمضان و غدا سيكون اليوم العاشر، وهذا يعني أن ثلث رمضان قد ولى، وما أسرع ما سينقضي رمضان، البارحة فقط كنا نترقب رمضان و اليوم نودع ثلثه، وما يميز رمضان هذا العام أنه آخر رمضان يقع كله في فصل الصيف و أول رمضان سيعود علينا في فصل الصيف سنة 2040 فيا لله من سيعيش منا ليدرك رمضان في فصل الصيف، بحرارته و نهاره الطويل الذي يعطيك فرصا لتنويع العبادات و أنت صائم، وفي ليله القصير الذي يمكنك من المحافظة على صلاة الصبح مع الجماعة. بالأمس القريب كان المسلمون ينتظرون دخول شهر رمضان المبارك، انتظار قدوم الضيف الغالي والوافد الكريم، طمعا فيما أعده الله فيه من خيرات, ورغبة في التنافس في الطّاعات, فهو موسم تعرض فيه أغلى السلع بأرخص الأثمان, تعرض فيه الجنة الغالية, حيث تفتح أبوابها, وتيسّر أسبابها, وتعرض فيه المرابح العظيمة, بحيث يعدل فيه ثواب السنّة ثواب الفريضة, وثواب الفريضة ثواب سبعين فريضة فيما سواه, موسم تسدّ فيه طرق الهلاك, فتغلق فيه أبواب النيران, ويصفد فيه كل شيطان,وتهجر فيه المحرمات, ويسهل فيه فعل الطاعات، موسم يغلب فيه سلطان الصبر على سلطان الهوى والجزع, موسم تغلب فيه صفة الكرم والجود, على صفة الشح والبخل, موسم يغلب فيه العقل والحكمة على الطيش والسفه موسم كل وقته مبارك عظيم, فنهاره صيام, وليله قيام، وما بينهما بر وإحسان، وطلب للعفو والغفران. غدا سيذهب رمضان من رمضان، فلنقف مع أنفسنا وقفة محاسب مقوم، وقفة نجدد معها العهد و الوعد، فما بقي من رمضان يتطلب منا رجوعًا إلى الله تعالى وإحداث توبة، ومزيدا من الجد والعمل، والإكثار من الطاعات، حتى يُختم لنا رمضان بخير. فيا من شُغِلَ عن الطاعة وتَكَاسَلَ عن العبادة وشَحَ بالصدقة، بقي أيام قلائل ستنقضي كلمح البصر، وأنت تزهد راكضا وراء حطام الدنيا، فرب صائم يروم الجنة وقد جدد بيته وجمله بعشرات الآلاف الملايين وشح بدنانير قليلة في رمضان. ألا تريد أيها الصائم السلامة والنجاة يوم القيامة؟! يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(اتقوا النار ولو بشق تمرة) وعن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي( صلى الله عليه و سلم) يقول:(تصدقوا؛ فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس نقبلها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها) وعن عائشة أن رسول الله قال: (أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك،ولا توعي فيوعي الله عليك.( إنها لنذارة شر أن يتشاغل الإنسان عن هذه الأيام الطيبة الفاضلة، وإنها لأمارة خزي وخسران أن يقضيها الصائم في اللهو واللعب ولا يعي فضلها وما فيها من الخير الجزيل. ألم يدعونا ربنا إلى عبادته والتقرب إليه؟! تذكروا أننا في زمن المهلة، قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، يومئذ لا ينفع الندم، كم من رجل شيّد دارا فقضى قبل أن يسكنها،وكم من إنسانٍ جمع أموالا فمات قبل أن يهنأ بها.يقول سبحانه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. إننا نسير والأيام لا تنتظر، فها نحن اليوم على مشارف الثلث الثاني من رمضان،نعم الثلث الثاني من رمضان ولا ندري من غفر له فنهنيه، ومن رد فنعزيه، ثلث رمضان مرّ مرور السحاب، ما أحسسنا به إلاّ وهو ينسل منا على حين غفلة، وما بقى سوى عشرين يوما، عشرون يوما فقط لتكون كما يحبك الله أن تكون، لتفوز بمرضاته وجناته، عشرون يوما فقط لتنال المغفرة، عشرون يوما فقط لتنال جائزتك يوم العيد، عشرون يوما... كم هي مدة قصيرة لتنال كل هذا الفضل من الله، عشرون يوما أو أقل - أيها الأحباب - ويفارقنا شهر رمضان وكم لفراقه من حسرات وعبرات، فيا من أسرف على نفسه لم يبق سوى عشرين يوما، ويا من تكاسلت في الثلث الأول من رمضان، لم يبق سوى عشرين يوما، قد ترها كثيرة و لكنها والله هي أقصر مما تتصور. ويا من أخذته الدنيا وجرته أَربِع على نفسك وعد إلى مولاك،وتب إلى الله عساه يهديك ويبلغك ما تتمناه، ويا من اجتهدت في العشر الأوائل،هنيئا لك وزد من اجتهادك، فو الله ما هي إلاّ أياما قليلة لتحصد ما زرعت وما هي إلاّ ليال قليلة و يتحسر من كان في غفلة عن العبادة والصدقات والطاعات في هذا الشهر المبارك، شهر المرابح، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان.