نظم عشية أول أمس معهد البحوث الأنتربولوجية والإجتماعية "الكراسك" بوهران أن مائدة مستديرة تحت رئاسة الأستاذة والباحثة فوزية بن جليد بحضور عدد من الكتاب والمثقفين لعرض ومناقشة أعمال روائية ومنها "شجرة الصبار" للروائي الكبير رشيد بوجدرة وأعمال الكاتبة رفيعة مزاري، ورواية "الحارسة المنسية" لبوزيان بن عاشور. وفي بداية اللقاء تم تقديم عمل "بوزيان بن عاشور" الذي كتب مقدمته "ياسمينة خضراء" والتي تجول وقائعها في قرية صغيرة بعا نصب تذكاري ل 41 شهيدا ولكن ذات يوم يفيض النهر فيأخذ معه جثث القتلى لتقضي الجدة كل حياتها في جمع العظام، وكأنها بذلك تقوم برسالة عظيمة في إعادة صيغة تاريخ الجزائر وركزت السيدة عماري إنصاف في مداخلتها عن الصور البيانية والسرد القصصي الموجود في الرواية وكيف إستطاع بوزيان أن يعرض ثلاثة أجيال ممثلة في الجدة والإبن والحفيدة التي أكملت تعليمها ولكنها كانت تتدمر كثيرا من قصص جدتها التي تجدها من أوراق الماضي. فيما يخص الكاتبة رفيعة مزاري التي حضرت الى مناقشة أعمالها من قبل باحثين ونقاد أدبيين ذكرت بأنها إستفادت كثيرا من النقاش في الأبعاد السردية التي كتبتها خاصة في الروايتين "حوادث وعجائب" و"يوم وألف ليلة في المشوار" والذي أعرب عنه الجميع أنها إستغلت أسلوبها الشعري في خلق نص روائي جميل. النقاش تمحور أيضا حول رواية رشيد بوجدرة الأخيرة والذي قدمتها الأستاذة فوزية بن جليد التي نوهت بالتركيبة الإحترافية في نسج المشاهد الروائية حيث تدور وقائع القصة التي تقول عنها بأنها رغم إنقضاء أكثر من خمسين سنة على إنتهائها لا تزال حرب التحرير، تلهم الروائي رشيد بوجدرة فبعد "فندق سان جورج"الصادر سنة 2007، أصدرت له مؤخرا دار البرزخ بالإشتراك مع ناشره الفرنسي "غراسيه" رواية جديدة عنوانها "شجرة الصبار". وكما هو الحال مع باقي أعمال بوجدرة، من الصعب تلخيص الرواية فقصتها ليست خطا مستقيما تنتظم فيه الأحداث الواحد تلو الآخر في تسلسل زمني منطقي، هي بالأحرى تسجيل لحوار، جله ذهبي صامت، بين صديقين إلتقيا في طائرة فاسترجعا في ساعة سفر ذكريات صباهما وشبابهما وظروف إلتحاق كل منهما بجبهة التحرير الوطني، في هذا الحوار ذي الهدف التطهيري شبه المعلن، يتعمد أحداهما الراوي رشيد الضغط على موضع الجرح القديم الغائر في نفسه ونفس رفيقه وإبن عمه عمر. وعلى طريقة المحللين النفسانيين يدعو رشيد عمر الى التخلص من أشباحه بمواجهتها، فالفكاك من الماضي مرهون بإطلاق العنان لذاكرته مهما كان إيلامها، هل حقا تعاون والده، محافظ الشرطة المتفرنس مع الثوار وإن فعل ذلك، فهل عن إقتناع أم عن خوف من إنقامهم الرهيب؟ ما الذي دفع أخاه الى الإنخراط في منظمة الجيش السري (OAS) التي أنشأها في 1961 غلاة "الأقدام السوداء" الرافضون للإستقلال، وما سر حميته البالغة في تقتيل إخوانه المستعمرين؟. قد يكون وقوع هذا الحوار في الجو، على علو عشرة آلاف قدم إشارة الى صعوبة حدوثه في ظروف عادية، في بلاد لا يزال فيها تاريخ الثورة الرسمي منبع الشرعية السياسية، أما إتجاه الطائرة التي يلتقي على متنها رشيد وعمر، مدينة قسنطينة، فرمز العودة الى الماضي، حلوه ومره، مغامراته الساخنة وصدماته العنيفة التي فتحت أعينهما على وضع إستعماري لم يكن بوسعهما تجاهله، بالرغم من إنتمائهما الى عائلة ميسورة. فرواية "شجرة الصبار" حسب الأستاذة والباحثة فوزية بن جليد قد تطرقت الى جرائم الإستعمار منذ بداياته الأولى على طريقة بوجدرة تتخللها مراسلات لقادة الإحتلال يفخرون فيها بعدد من قتلوهم من "الأهالي" قبل أن يسألوا أهاليهم عن أحوالهم بمنتهى الرقة والحنان، لكن فضائع حرب الإخوة الأعداء حاضرة فيها أيضا كل الحضور، إعدام أحد أبرز قادة الثورة، رمضان عبان، على يد رفاق السلاح، الإغتيالات التي طالت مئات الطلبة ممن نجحت الإستخبارات الإستعمارية في تصويرهم لبعض كبار ضباط جبهة التحرير كجواسيس مندسين. هذه الأحداث الحقيقية المحكية على لسان رشيد تأتي دليلا على أن لا فصل بين الحميمي والسياسي، بين الخاص والعام إلا في تاريخ وهمي يصور الشعب بطلا جماعيا وقادته أنبياء معصومين، يخرجونه من الظلمات الى النور، وحسب الباحثة فإن أقوى رمز في الرواية هو تباين الهويات السياسية لأفراد أسرة عمر مناضلان مقتنعان بضرورة الإستقلال ومحافظ شرطة وضعته الثورة أمام مسؤولياته الوطنية وحليف صريح للعدو، بلغ به كره الذات حد الإلتحاق بأكثر من تنظيمات الأقدام السوداء عنفا وعنصرية. لقد سعى بوجدرة في آخر أعماله الى فضح تهافت الرواية الرسمية لمعركة التحرير، رواية لا أثر فيها لما عاصره رشيد من تصفية حسابات داخلية ولا لما عاشه من تجارب شخصية في سياق مضطرب، ربط المصائر الفردية أيما ربط بالمصير الجماعي لتنتهي الرواية بأحداث أكتوبر 1988 هذه الإنتفاضة التي حطمت الحزب الواحد، ويبدو في "شجرة الصبار" تواصلا لخيط رفيع لم ينقطع، خيط الثورات الشعبية الجزائرية وإستئنافا لإنتفاضة 8 ماي 1945 التي أقنعت الحركة الوطنية بضرورة الكفاح المسلح وأكدت الأستاذة فوزية بن جليد في آخر عرضها أن الرواية جيدة من ناحية التركيب والأسلوب والصور الجمالية حتى وإن كانت بعض الأفكار غير ملائمة.