سيدي ..أيها الوحيد الذي يعرفه قلبي أكثر مني ،الوحيد الذي إن حكى تنتفض أنفاس الحرف وتعرج الأنا للسماء ،أيها الصّاخب كالنص حينا وحينا هادر كشهب دنى من فضاء ، تحيّة وأما بعد : أتدري معنى أن تقف امرأة وسط شارع في دبي، ترى كل شيء يحدوه الضباب، حين تصغر البنايات ،تصغر حتى تندثر، حين تصير جميع الإشارات حمراء وكل العابرين أطياف ،حين تصبح الخطى براكين ثائرة ويصير لون السماء كئيب حد البكاء،حين تكون الشمس مقدار رمح من الهجير ويصير العرق غرقا يلتهم المكان،حين لا نسمة تعبر، لا طير ،لا شعور ،لا ذهول، لا سكون، لا رجوع، لا موت،تطلّ عيناك كآيات كتاب مقدّس، تلك اللحظة الصغيرة التي تحدث فيها كل الإنشطارات الهائلة ،لحظة تجتاحني قرويتي ،تحدث أنت فأنسى سنين الرماد ،أنسى البيوت ،الشوارع ،حتى الحقول البخيلة و يتلبسني ثوب الحياد،وحين أفتّش عن قبس وسط العاصفة وحين تغدو الأيادي التي صافحتني مقابر تعبر أنت، فتنمو وسط الجحيم وردة ويصلبني الوقت كيسوع في العاصمة،وحين يتسكّع الوطن في دمي ،وحين أعاند وأهدم بنفسي يدي،حين أغضب،أهذي،أشتم وأنفجر كقنبلة نيتروجين،حين أرى المستقبل ملأ الخراب وأرى الشياطين أكثر وداعة ،حين أختبئ من الأشباح البشريّة ومن صوت الرصاص وفعل الموت،تجيء أنت كفرحة في الزمان شريدة فألفظ تعبي وأمضي، أمضي إليك كأني ألقاك وأنك لا تغيب . أيها الراجع ،الذاهب، المتخفي أكثر أني أنثى متهورة جدا، أنزع أقنعتي قناعا قناعا، وقد اقتربت جدا من هيئتي الحقيقية، هيئتي المفجعة، أنا أنسلخ، أنسلخ عن الطين ،عن الأرض، عن المدارات والكون والسفر والقيود اللئيمة، تعبت تضاجعني الخيبات،أنجب كل ليلة قبائل من الندم تقضم أصابعي، تعبت أنتظرك تعبر خلسة،تشعل سجائرك وقلب، تعبت تلقي بأعقاب تكبّرك عليّ، تعبت أسمي سمارك بلاد وعيناك بلاد ، عطرك ،شعرك بلاد ، تعبت ونسيت أن أول من يقسو علينا يا سيدي البلاد ،سيدي العنيد لا تندهش لابتساماتي الأولى ، فالنساء يستطعن إخفاء الجحيم بمساحيق مكثفة وبقليل من التكسر،عرّ الأشياء جيدا ,ستعلم كم من كفن أخبأ في أضلعي وكم أن لجسدي رائحة الغرق . أيها الرجل المسافر في حد التعب، أيها الساكن في الثائر ،أيا ذاكرتي الخضراء ،يا وجعي يا وجع الخطى ،يا سلام الأعين السّمر ومداد السنا ،ستدرك يوما بأن قديم الهوى يستحث الجديد وأن عيني قصيد وهمسي قصيد ،فما لحكايا الرحيل إحتمالات ،تقدَمت قلت أبرهن أن المسافة لا تنقسم وأن الخطى خطايا إحتيال ووهم ،أحدّق في مقلتيك ثوان فيعرف كلٌّ طريق مضاه ،سيدي المسكين جدا أعرف أنك ستجيء يوما ، وحيدة كما غيمة عابرة ،ستأتي حين تموت المسافة بين الأساور والضحكة الساخرة ،حينها فقط سأتزين حتى ألقى الرب في وجهك ضاحكة ، وأقنعك أن هناك حياة طويلة بين قلب الضحية والرصاصة الطائشة