هبّة الكرامة و الياسمين في تونس ثم انتفاضة الغضب و النيل في مصر مرورا بخروج أحفاد المختار في ليبيا وأبناء القبائل في اليمن و انتهاء بتلاميذ درعا في سوريا ، تلاحقت الاضطرابات بسرعة ضوئية و اتسعت رقعة الموت العبثي فتسنى للطغاة و الرعاة و الغلاة والغزاة أن يلعبوا. إن الأدلة الملموسة و المحسوسة تؤكد أن مباريات "الدم" لم تكن مبرمجة على مستوى الدوري المحلي فحسب بل كانت ضمن مسابقة دولية كبرى لإعادة تقسيم البساط الأخضر ، والطريف أن قوانين المسابقة لم تمنع «الحكام» من اللعب أيضاً ، لهذا شاركت قوى عالمية و أخرى إقليمية ارتدوا أقمصة "الجماهير" وكتبوا على ظهرها شعارات جذابة عن التغيير و استقلالية الإعلام و كرامة الصحافة و حرية التعبير و الديمقراطية و تداول السلطة و الانتخابات النزيهة و الشفافة و حقوق الإنسان . و للأسف الشديد لم تنته المسابقة بعد و لم يمل "الحكام" من تقمص دوري الحكم و اللاعب في ذات الوقت و لا يهمهم أن تفقد البطولة مصداقيتها و شرعيتها ما دام كل شيء مباح في عالم عربي فأعمدة النيران لا زالت تلتهب في كثير من الأقطار العربية التي أضحى سكانها يعيشون على هامش الإنسانية و صار الموت و القصف و التهجير و التشتيت أطعمتهم المجانية الموزعة على مائدة بحجم وطن خاصة في سوريا و اليمن و ليبيا. إن الذين يعتقدون أن الضباب الكثيف لا زال يسيطر على المشهد العام يتجاهلون مرضًا أو غرضًا عمق المأساة التي لا يمكن سبر أغوارها و التي كان أول فأس استعمل في "حفرها" فضائيات بأسماء رنانة [ لجأ إليها المواطن العربي نفورا من وسائل إعلام بلده المهللة والمطبلة فقط] وظَّفت أقنعة جميلة نيابة عن وجوه قبيحة للتحدث عن مشاكل و صراعات و صدامات وهمية أو موجودة بفعل استبداد هؤلاء أو تسلط أولائك فكانت النتيجة أن تصدعت و تشققت جدران الجبهة الداخلية مما سهل للآخر إسقاطها بكل سهولة و بأقل التكاليف الممكنة . لا أحد يكره التغيير نحو الأحسن و الأصلح أو يمقت حرية التعبير أو ينبذ استقلالية الإعلام إن كانت المسميات على قدر نبل الأسماء لكن ما أفرزه "الربيع العربي" لم يكن صحفا مستقلة و لا قنوات إعلامية حرة بل كان روائح نتنة كريهة تولى نفخها نزلاء الماضي و قاطنو الكتب القديمة من أمثال "داعش" و "النصرة" بنت "القاعدة" من قاطعي الرؤوس و آكلي الأكباد بعدما عقدوا تحالفا شيطانيا براغماتيا مع أصحاب الأطماع الخارجية من ذوي النفوذ و النقود و الأذرع العسكرية الطولى على لعب مباراة مضمونة الفزع و الارتياع .